الاضطرابات الاقتصادية وأزمة الديون «3 من 3»

النبأ السار هو أن تعبئة الموارد المحلية تتيح إمكانات ضخمة، فدراساتنا البحثية تبين أن إصلاح النظام الضريبي وحده يمكنه زيادة الإيرادات بنسبة تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الأسواق الصاعدة ـ وبنسبة تصل إلى 9 في المائة في الدول منخفضة الدخل. ويولي الصندوق في الوقت الحالي أولوية للعمل في هذا المجال. والتمويل الخارجي -بلا شك- يظل عنصرا حيويا. فالاقتصادات المتقدمة لديها مسؤولية مشتركة، بجانب مصالحها المشتركة، في دعم الدول الصاعدة والنامية. ويقودني ذلك إلى أولويتي الثانية المهمة، وهي الاستثمار في التعاون العالمي. فلا يمكن أن تتحقق كتابة قصة النمو الاحتوائي والمستدام للـ50 عاما المقبلة إلا بالعمل معا ـ بروح مبادئ مراكش أيضا. وخير مثال على ذلك قضايا المناخ والتجارة. وأريد أن أسلط الضوء على مجالين رئيسين آخرين للتعاون العالمي ـ يسهم فيهما الصندوق بالفعل بدور نشط.
أولا، الديون: أكثر من نصف الدول منخفضة الدخل وصلت إلى حالة المديونية الحرجة أو باتت معرضة لمخاطر كبيرة تهدد ببلوغها، ونحو خمس الاقتصادات الصاعدة تواجه فروقا في أسعار الفائدة مشابهة لما نشهده في حالات "التعثر في السداد". وهناك بوادر على نجاح الإطار المشترك في إعادة هيكلة الديون، وإن كان بوتيرة بطيئة. وفي الآونة الأخيرة، نجد أن اجتماع المائدة المستديرة بشأن الديون السيادية العالمية -الذي تم تنظيمه بالتعاون بين الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين والصندوق والبنك الدوليين- يضم جميع الدائنين والمدينين المعنيين، مع ظهور علامات مبشرة.
ثانيا، شبكة الأمان المالي العالمية ـ أي شريان الحياة لعديد من الدول في وقت احتياجها. ويشغل الصندوق موضع الصدارة فيها، حيث ظل دورنا بارزا بوصفنا "ضامنا من لا ضامن له" على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
فماذا فعلنا في هذا الشأن؟
منذ بداية الجائحة، قدمنا نحو تريليون دولار في هيئة سيولة وتمويل. وتحقق ذلك عن طريق توزيع مخصصات من حقوق السحب الخاصة بما يعادل 650 مليار دولار وتقديم قروض قيمتها 320 مليار دولار إلى 96 بلدا، منها 56 بلدا من الدول منخفضة الدخل.
وكيف فعلنا ذلك؟
أولا، قمنا بتفعيل برنامجنا المعني بتخفيف أعباء الديون عن أفقر دولنا الأعضاء مباشرة.
ثم، قمنا -في زمن قياسي- بتعبئة موارد التمويل الطارئ في أثناء الجائحة. لكن الصدمات توالت، ولجأ أعضاؤنا إلينا للاستفادة مما نقدمه من برامج متكاملة الأركان. وصممنا دعمنا على نحو يتوافق مع ظروف دولنا الأعضاء الأكثر قوة، من خلال خطوط ائتمان وقائية ـ توفر هامش أمان إضافيا في مواجهة الصدمات.
وأطلقنا كذلك أحدث أدواتنا ـ الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة، الذي يوفر للمرة الأولى في تاريخ الصندوق موارد طويلة الأجل بتكلفة معقولة للدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل المعرضة للمخاطر. وبعد عام واحد من تشغيله، ينتفع حاليا 11 بلدا من دعم هذا الصندوق الاستئماني لمساعدتها على التكيف وبناء الصلابة، خاصة في مواجهة تغير المناخ. وإضافة إلى ذلك، عملنا مع أعضائنا الأقوى اقتصاديا من أجل تحويل نسبة كبيرة من مخصصاتها من حقوق السحب الخاصة إلى الأعضاء الأكثر عرضة للمخاطر. وتولد عن ذلك حتى الآن نحو 100 مليار دولار في هيئة تمويل جديد من خلال صناديقنا الاستئمانية، ولا سيما الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر، والصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة.
ومن ثم، استجاب الصندوق للصدمات الأخيرة على نحو سريع وغير مسبوق. لكن في ظل احتمالات مواجهة الدول أزمات أكبر وأكثر تعقيدا في المستقبل، ولكي يتمكن الصندوق من مواصلة القيام بدوره في صدارة شبكة الأمان المالي العالمية، فسيتعين دعمه سريعا على صعيدين:
أولا، عن طريق زيادة مواردنا الدائمة من حصص العضوية، التي ستعزز قدرتنا على دعم دولنا الأعضاء ذات هوامش الأمان المالي المنخفضة.
وثانيا، عن طريق تجديد موارد الدعم التي تسمح للصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر بتقديم القروض ذات الفائدة الصفرية.
وفي الوقت نفسه، لا بد لنا من مواصلة العمل في سبيل تهيئة هيكل الحوكمة في الصندوق لتحسين مستوى تمثيل دولنا الأعضاء والتعبير عن التغيرات الديناميكية في الاقتصاد العالمي. وتعد إمكانية إضافة مقعد ثالث إلى إفريقيا في مجلسنا التنفيذي خطوة في الاتجاه الصحيح جديرة بالترحيب. ويحدوني الأمل أن يساند أعضاؤنا هذه الجهود.
وأخيرا، إيجاد المفتاح لحل مشكلات الـ50 عاما المقبلة.
إن قوة الصندوق تتركز أساسا في الثقة التي توليها لنا دولنا الأعضاء البالغ عددها 190 بلدا. ويواصل خبراء الصندوق الرائعون العمل بلا كلل -ليلا ونهارا في المكاتب ومن المنزل- ليكونوا على قدر هذه الثقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي