المالية الإسلامية والذكاء الاصطناعي

تطورت المالية الإسلامية بصورة كبيرة خلال العقود الستة الماضية بصورة أسرع مما كان يعتقده رواد هذه الصناعة، التي بدأت ضعيفة وتواجه تحديات كبيرة، لكنها اليوم أصبحت واحدة من الخيارات ضمن المنظومة المالية العالمية، سواء من خلال الحصول على التمويل أو الاستثمار أو الخدمات المصرفية، بل التأمين، وتطورت لتقدم خيارات بديلة لأدوات الدين كالسندات، وما زالت تتطور بصورة كبيرة لتقدم خيارات مناسبة للمستثمرين، خصوصا لمن يبحث عن خيارات بعيدا عن المنتجات المالية التقليدية التي تعتمد على الفائدة.
الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا يعتمد عليه كثير من الشركات في مختلف القطاعات، ويتوقع أن يكون له دور أكبر في حياة الناس مستقبلا بما في ذلك القطاعات المالية، فهو يقدم مجموعة من الحلول التي سيكون لها دور في تحسين حياة البشر، بما في ذلك قدرة هائلة على تقديم الأجوبة والحلول الصعبة التي تأخذ وقتا طويلا للوصول إليها، إضافة إلى أنه يقوم بمهام في العمل بصورة أكثر دقة من الإنسان ولفترة طويلة قد تمتد إلى مدى 24 ساعة سبعة أيام في الأسبوع دون توقف، كما أن بإمكان الذكاء الاصطناعي استبدال معظم الوظائف الحالية التي يقوم بها الإنسان، بما فيها الوظائف الأكثر دقة ومهارة التي تتطلب من الإنسان فترة طويلة للدراسة والتدريب مثل القطاعات الصحية والبرمجة ومجموعة من التخصصات الهندسية، ويؤدي هذه المهام بدقة عالية، حتى إن البعض يعتقد أنه خطر حقيقي على مجموعة من الوظائف، وقد يفقد كثيرا من الفرص الوظيفية المتاحة له حاليا نتيجة لهذه المتغيرات الهائلة في حياة البشر.
المالية الإسلامية لن تكون استثناء من هذا التحول العالمي، بل إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم كثيرا من الحلول الخاصة بالتمويل الإسلامي، فكما هو موجود حاليا نجد أن بعض شركات التقنية المالية التي تقدم الحلول الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة تستخدم جزئيا الذكاء الاصطناعي في تحديد الخيارات المناسبة للعميل عند رغبته في الاستثمار في السوق، فهذه التطبيقات تسأل العميل بعض الأسئلة وبناء عليه تقدم له الحلول التي بعدها يبدأ التطبيق بتوزيع محفظة العميل، وهذا وإن كان في الأساس هو نوع من البرمجة إلا أنه بداية في التحول إلى الذكاء الاصطناعي، حيث إن الاختبار لا يقف عند نماذج محددة بل تتم معها إدارة للمحفظة، وهي بداية تحول غير مكتملة حاليا لكن ستتطور قطعا مستقبلا.
من الأمور التي يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي فيها بديلا في قطاع المالية الإسلامية أن الاستثمار في التمويل الإسلامي له قواعد وضوابط محددة فيما يتعلق بالنشاط الخاص بالشركات وطريقة حصولها على التمويل واستثمار أموالها، وبناء على هذه المعايير يتم تحديد الشركات التي يتم الاستثمار فيها، وهذه عملية مستمرة، حيث إنه في كل فترة يتم فيها إصدار التقارير يمكن أن تصنف بعض الشركات بأنها يمكن الاستثمار فيها وأخرى لا يمكن الاستثمار فيها، فدخول الذكاء الاصطناعي سيكون له أثر كبير في مثل هذا النوع من الأنشطة المالية.
تعتمد المؤسسات المالية الإسلامية على معايير لجهات تعد أساسية مثل مجلس المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أيوفي ومجلس الخدمات المالية الإسلامية ومجموعة من العلماء والخبراء الذين يعدون مرجعا في المعاملات المالية الإسلامية بوضعها الحالي، ووجود الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجمع كل هذه القرارات للوصول إلى النتائج التي يمكن أن تستفيد منها أو قد تعتمد عليها المؤسسات المالية الإسلامية في تعاملاتها.
الذكاء الاصطناعي سيساعد المستثمرين الذين يبحثون عن الفرص في مختلف دول العالم على الوصول إلى هذه الفرص من خلال استخدام الأدوات في تحليل الخيارات الاستثمارية واتخاذ القرار وإدارة المحافظ الاستثمارية بطريقة احترافية، وفقا للمعايير الخاصة بالاستثمارات المتوافقة مع الشريعة.
الخلاصة، إن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا في حياة الناس اليوم، وسيكون أحد الأخطار على الوظائف الحالية، وفيما يتعلق بالتمويل الإسلامي بالتأكيد إنه سيعزز من الفرص المتاحة في الأسواق العالمية من خلال استخدام أدوات التحليل التي تعتمد على المصادر المرجعية للمؤسسات المالية الإسلامية، وبناء عليه يمكن أن يساعد على اتخاذ القرار، بل في مرحلة متقدمة يمكن أن يتخذ القرار وفقا للمعطيات والمتغيرات، كما أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوسع من قاعدة الخيارات الاستثمارية في مختلف الأسواق حول العالم، لقدرته على البحث والتحليل الشامل والسريع، الذي يساعد على اتخاذ القرارات وفقا للمعايير المعتمدة لدى المؤسسات المالية الإسلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي