تجارة السلع والتأثيرات السلبية

تعد التجارة الدولية واحدا من أهم المصطلحات في عالم الاقتصاد، خاصة أنها عنصر أساسي لصعود الاقتصاد العالمي. ومن أهم الأمور المؤثرة في الاقتصاد بشكل عام العرض والطلب اللذان بدورهما يؤثران في طبيعة الأسعار نفسها. وقد ساعد التداول الدولي بشكل واضح في التكامل، وكذلك تعزيز الاقتصاد بشكل عام. كما أن هناك أهمية كبيرة للتجارة الدولية خاصة أنها تسهم بشكل أساسي في توسيع أسواق الدول، وكذلك إتاحة السلع والمنتجات التي قد لا تكون متوافرة بشكل محلي. كما أنها تسهم في تسهيل الوصول إلى السلع والمنتجات في الدول المختلفة، فضلا عن توفير منتجات متنوعة للمستهلكين. وذلك من شأنه أن يجعل الأسعار أكثر تنافسية ويحاصر الاحتكار واستغلال المستهلكين، حيث إن تنوع المنتجات وتوافرها يجعل الأسعار منخفضة. لذا يسرت التجارة الدولية التبادل بشكل كبير على مستوى العالم، وأصبحت من العوامل المهمة في رفع مستويات المعيشة. وكذلك إيجاد مزيد من فرص العمل وتمكين المستهلكين من التمتع بمجموعة أكبر من السلع، واكتسبت التجارة الدولية أهمية كبيرة في الفترة الأخيرة.
وهنا لا بد من الحديث عن أن وتيرة التجارة العالمية لم تتحسن منذ أكثر من عامين، ولأن الأمر كذلك، تنظر الجهات الدولية المختصة بقلق شديد على مستويات التجارة بشكل عام، وتلك المتعلقة بالسلع بصورة خاصة، على الأقل في العام الحالي، الذي تعتقد منظمة التجارة العالمية أن تباطؤ نمو التجارة سيكون أدنى من التوقعات. ووضعية التجارة العالمية ليست سليمة تماما منذ عدة أعوام، وتفاقمت أكثر لأسباب ثلاثية تتعلق أولا بالموجة التضخمية العالمية التي لا تزال حاضرة على الساحة، والمصاعب المعيشية التي يمر بها المستهلكون، ما فاقم القدرة الشرائية لهم بالطبع. إلى جانب التوترات الجيوسياسية التي لم تخب طوال الفترة الماضية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا التي قلبت جانبا من الموازين الاقتصادية، ولا سيما في الدول التي تتأثر مباشرة بها. فهذه الحرب عمقت حالة التضخم التي انعكست بقوة على الجانب المعيشي، ما أجبر المشرعين الماليين حول العالم، إلى اللجوء إلى رفع الفائدة، وهو السبب الثالث المؤثر في الاقتصاد بشكل عام. فتكاليف الاقتراض المرتفعة تعزز تلقائيا حالة التجارة وعلى رأسها السلع.
وسط هذا المشهد تبرز مشكلة العقارات في الصين التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، مع تحذيرات من إمكانية انفجارها، وتأثر مؤسسات مالية عالمية بها نظرا إلى انكشافها على السوق الصينية عموما. من هنا، يمكن فهم حالة القلق التي يمر بها العالم على صعيد التجارة، بالرغم من أن تلك الحالة لا تشمل عمليا قطاع الخدمات الذي شكل في 2021 ما نسبته 12.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك لم يسهم الانتعاش الذي شهده قطاع السفر والسياحة في العام الجاري في ضمان نمو مرتفع للخدمات، بل سيكون وفق التقديرات الدولية معتدلا. وفي كل الأحوال، سيكون نمو التجارة العالمية متواضعا جدا هذا العام، بالرغم من بعض الإشارات الإيجابية عن نموها في العام المقبل. لكن حتى هذه الإشارات قابلة للمراجعة في مرحلة لاحقة.
وفق منظمة التجارة العالمية، لم يحقق النمو في تجارة السلع هذا العالم أكثر من 0.8 في المائة، منخفضا من توقعات أطلقتها المنظمة في الربع الأول من العام الجاري بلغت 1.7 في المائة. والفارق كما هو واضح كبير. واستنادا إلى المسار العالمي في هذا المضمار، فإن الصعوبات ستواصل الضغط في الأشهر المتبقية من 2023. ولا يبدو أن هناك انفراجا قويا على صعيد التضخم في غضون الأشهر المقبلة، ما يجعل الضغط مستمرا. والمشكلة هنا تكمن في أن النمو الضعيف والملاحظ لهذه التجارة سيشمل عددا كبيرا من الدول، الأمر الذي سيرفع من المصاعب المعيشية فيها. ومن هنا، فإن المراهنة على العام المقبل تبدو أكثر واقعية من الانتظار لنهاية العام الجاري. فكل المؤشرات متوافقة على أنه سيكون صعبا جدا في هذا القطاع.
ولا شك في أن الضغوط الآتية من ارتفاع معدلات الفائدة تزيد من الغيوم حول المشهد العام، إلا أن التوقعات بتراجع تكاليف الاقتراض في العام المقبل، تعطي أملا في الانتعاش ليس لقطاع التجارة فحسب، بل لكل القطاعات، ما قد يضمن في النهاية ثبوت توقعات نمو تجارة السلع في 2024 بمعدل 3.3 في المائة. وهذه النسبة "إذا ما تحققت بالفعل" ستكون بمنزلة انطلاقة جديدة لهذه التجارة التي عانت كثيرا العوامل المذكورة، فضلا عن تلك التي جلبتها جائحة "كورونا" إلى الساحة العالمية ككل. غير أنه لا يمكن تجاهل ضغط الحرب في أوكرانيا، وهي الأخطر بالفعل منذ الحرب العالمية الثانية. دون أن ننسى، أن كل المؤشرات تدل على أن هذه الحرب ستستمر لفترة لن تكون قصيرة. وفي النهاية، تبقى الآمال معلقة على وضعية تجارة السلع على وجه الخصوص في العام المقبل، الذي ربما شهد بعض الانفراجات المطلوبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي