وعود الذكاء الاصطناعي التوليدي بين اليقين والريبة
رغم أنه تمت كتابته قبل 37 عاما، إلا أن قانون ملفين كرانزبيرج الأول للتكنولوجيا يتردد صداه اليوم في عالمنا للذكاء الاصطناعي سريع التطور. حيث كتب كرانزبيرج: "إن التكنولوجيا ليست جيدة ولا سيئة، وليست محايدة".
وكما أوضح المؤرخ، فإن اعتبار التكنولوجيا جيدة أو سيئة يعتمد في الغالب على السياق والزمن. إذ يمكن أن يؤدي الاختراع نفسه إلى نتائج مختلفة في سياقات مختلفة ويمكن أن تتغير هذه مع تطور الظروف.
لذا، مثلا، كان استخدام المبيد الحشري دي دي تي موضع ترحيب في البداية كوسيلة لقتل البعوض الحامل للملاريا وتعزيز الإنتاجية الزراعية. لكن بعد أن كشفت راشيل كارسون الناشطة البيئية عن الكيفية التي يتسبب بها هذا المبيد في إحداث أضرار بيئية وتسميم البشر، تم حظره في عديد من البلدان. وحتى في ذلك الوقت، واصلت الهند استخدام مادة الـدي.دي.تي للوقاية من الأمراض، ما ساعد على خفض عدد الوفيات السنوية الناجمة عن الملاريا من 750 ألف شخص إلى 1500 شخص.
تسلط حالتان حديثتان ومختلفتان جذريا لاستخدام الذكاء الاصطناعي الضوء على ازدواجية أحدث تكنولوجيات الأغراض العامة لدينا، إضافة إلى صعوبات فصل ما هو جيد عما هو سيء.
أولا، الجيد. منذ 1971، قام المتطوعون العاملون في مشروع جوتنبرج ببناء مورد عام قيم: مكتبة واسعة من الكتب الرقمية المجانية المتاحة للجميع. حيث يتيح المشروع الآن أكثر من 60 ألف كتاب لا يتمتع بحقوق الطبع والنشر كجزء من مهمته المتمثلة في كسر "حواجز الجهل والأمية".
ولأعوام، حرص المشروع على تحويل هذه الكتب الإلكترونية إلى كتب صوتية لإفادة الأشخاص الذين يعانون ضعف البصر، لكن التكاليف كانت باهظة للغاية. والآن، بفضل الذكاء الاصطناعي، أنتج المشروع خمسة آلاف كتاب صوتي بسرعة مذهلة وبأقل تكلفة، ويقوم بإصدارها على سبوتيفاي وجوجل وأبل.
لقد استخدم هذا المشروع الصوتي، الذي قاده باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومايكروسوفت دون مقابل، أحدثت تكنولوجيا التحويل العصبي للنص إلى صوت لتقليد جودة ونبرة الأصوات البشرية وإنشاء 35 ألف ساعة من تسجيلات الكتب الصوتية فيما يزيد قليلا على ساعتين.
ويقول لي مارك هاميلتون، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والقائد المشارك للمشروع: " إنها آلية أكثر قليلا من الإنسان العادي، لكن هدفنا كان إخراجها بسرعة وبأقل الطرق ضررا".
أظهر الباحثون تطبيقا أكثر إثارة للدهشة يتيح قراءة الكتب الصوتية بصوت أي شخص باستخدام خمس ثوان فقط من عينة صوته. قد يستخدم الآباء يوما ما هذا التطبيق "لقراءة" الكتب الليلية لأولادهم حتى عندما يكونون بعيدين عن المنزل. لكن الأخطار المحتملة لاستنساخ الصوت واضحة، ويشعر فريق البحث بالقلق بشأن إطلاق هذه التكنولوجيا. حيث يقول هاملتون: "يحب كثير من الناس في حقل الذكاء الاصطناعي أن يكونوا متفائلين دون النظر إلى السلبيات. لكن من الناحية الواقعية، يعد التعلم الآلي أداة قوية للغاية يمكن استخدامها في الخير والشر".
إن أحد الأمثلة على كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الشر حدث هذا الشهر في مدينة ألمندراليخو الإسبانية، حيث صدمت مجموعة من الصبية المجتمع من خلال تعميم صور عارية تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لـ28 فتاة محلية على واتساب وتيليجرام. حيث تم نسخ صور الفتيات من حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تلاعبوا فيها باستخدام تطبيق للذكاء الاصطناعي. ووسط ضجة سياسية وطنية، يقوم المدعي العام الآن بالتحقيق فيما إذا كان قد تم ارتكاب أي جريمة.
قالت جيما لورينزو، وهي أم لولد عمره 16 عاما وابنة عمرها 12 عاما، إن جميع الآباء يشعرون بالقلق. "إنك تخاف من شيئين: إذا كان لديك ابن، فأنت تقلق من أنه ربما فعل شيئا كهذا، وإذا كانت لديك ابنة، فإنك تشعر بقلق أكبر، لأنه عمل من أعمال العنف".
إن وعد الذكاء الاصطناعي التوليدي وخطره هو أنه أصبح الآن متاحا ويمكن نشره بسرعة وعلى نطاق غير عادي. فقد قام أكثر من 100 مليون مستخدم بتجربة برمجية الدردشة تشات جي بي تي الخاصة بشركة أوبن إيه أي في غضون شهرين من إطلاقه. وتقوم شركات التكنولوجيا الآن ببناء نماذج أقوى متعددة الوسائط تجمع بين النصوص والصور والصوت والفيديو.
كتب كرانزبيرج: "تنشأ عديد من مشكلاتنا المتعلقة بالتكنولوجيا من العواقب غير المتوقعة حيث يتم استخدام التقنيات الحميدة بشكل واضح على نطاق واسع". وينطبق هذا على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أصبحت الحال كذلك مع الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضا. وكما هي الحال مع التكنولوجيات الأخرى، ستتبع ذلك فترة فوضوية من التكيف السلوكي والمجتمعي والتشريعي.
أشار تقرير لشركة سيكويا كابيتال نشر هذا الشهر إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال في "أعوام المراهقة المحرجة". ومن المؤكد أن الصناعة لديها كثير لتفعله من أجل النضوج وسيكون تدخل الوالدين مطلوبا.