اقتصاد مستقر بلا موارد
أصبح الابتكار المستمر محركا قويا للنمو الاقتصادي، وقد لاحظ الاقتصاديون أن وفرة الموارد الطبيعية تؤدي إلى هشاشة اقتصادية، على سبيل المثال ـ نيجيريا والكونغو وفنزويلا دول تعاني نموا اقتصاديا ضعيفا مقارنة بالدول ذات الموارد الطبيعية الأقل مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج، اللافت أن جميع هذه الدول تصنف دولا مستقرة اقتصاديا.
فما هو السر الذي يفسر نجاح الدول الفقيرة بالموارد؟ هناك مجموعة من الأنظمة إذا ما تم العمل عليها وتطبيقها، سيكون لها دور جوهري في النجاح الاقتصادي حتى مع انخفاض الموارد الطبيعية.
أولا، وجود نظام وطني مفتوح للابتكار في الحكومة وفي الجامعات والشركات والمؤسسة البحثية والتطوير يسهم في تكون قدرات تنافسية للمواهب الوطنية.
ثانيا، الاستثمار في التقنيات الناشئة، النظم الاقتصادية للدول التي تدعم الشركات المبتكرة، تؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة الطلب على المواهب، لأن رأس المال البشري يمثل المدخل رقم واحد، لذلك أعطت الشركات والرؤساء التنفيذيين أولوية عالية في استقطاب المواهب وإدارتها والاحتفاظ بها، بمعنى آخر أصبح العنصر البشري هو المكون الأساس للشركات المبتكرة، وبالتالي زيادة الطلب على القدرة التنافسية للمواهب.
ثالثا، تطبيق الحكومة الرقمية، الحكومة الرقيمة أو الإلكترونية هي مجموعة من التطبيقات لتقنيات الاتصالات والمعلومات في تقديم الخدمات الحكومية المختلفة للمجتمع والاقتصاد، فهذا النوع من الأنظمة يعالج مشكلات لا حصر لها من حيث الشفافية والموثوقية والمساءلة، وبالتالي نرى تغير المشهد التنافسي في الدول التي لديها حكومة إلكترونية كما أن البيانات التي تولدها تمثل نواة الابتكار والتواصل في تحسين العمليات.
رابعا، كفاءة الحكومة، هناك عناصر كثيرة في كفاءة الحكومة ولعل الاستثمار في البنية التحتية العامة من أبرز المؤشرات، فهي تؤدي إلى زيادة العمل وتحسن جودة الخدمات، وهي من عناصر توجه المجتمع للتقنية، وبالتالي سيتعين على العاملين في الحكومة والمجتمع تحسين مهاراتهم وزيادة قدراتهم التنافسية للاندماج.
خامسا، وجود بنية تحتية للاتصالات والمعلومات، وتختلف عن النقطة رقم ثلاثة، بأنها تمثل الاتصالات ذاتها من حيث المرافق مثل الاتصالات ذات النطاق العريض، فالاتصالات المتطورة تؤدي إلى تحويل المدن إلى مراكز اقتصادية واستقطاب للسياح والمؤتمرات وتعزز وجود رأس المال الاستثماري ورأس المال البشري أيضا بطريقة مزدوجة.
سادسا، الإنفاق على التعليم العالي، حيث تلعب الجامعات ومراكز الأبحاث المصدر الأساس والمولد المعرفي، التي تتحول لاحقا إلى تطبيقات وتعرف بالتقنية، بمعنى آخر تحويل العلوم إلى تقنيات تخدم الناس والاقتصاد عند زيادة الإنفاق على التعليم العالي.
سابعا، تعاون الشركات مع مؤسسات البحث والتطوير، أي صنع قرارات استثمارية مبنية على مخرجات البحث قصيرة الأجل وتعد سويسرا من أفضل الدول في هذا الجانب.
في الختام، الدول التي تركز على قيادة اقتصادها بالإنتاج الفكري وتطبيقاته الاقتصادية، تستطيع أن تقيم اقتصادا مستداما ومستقرا حتى بغياب وفرة الموارد الطبيعية، حيث توفر هذه السياسات بيئة تنافسية تدعم النمو الاقتصادي بلا حدود.