التسارع الاقتصادي .. حان وقت التخلي عن "الهبوط السلس"

التسارع الاقتصادي .. حان وقت التخلي عن "الهبوط السلس"

منذ أول زيادة في أسعار الفائدة في مارس 2022، تركزت المناقشات حول الاقتصاد الأمريكي على سؤالين. أولا، هل يستطيع الاحتياطي الفيدرالي أن ينفذ الهبوط السلس الذي تباهى به كثيرا؟ ثانيا، إذا واجهنا تراجعا اقتصاديا، فهل سيكون عميقا ودائما أم ضحلا وعابرا؟
والآن حان الوقت لاستبدال استعارة الهبوط السلس بمصطلح جديد: التسارع الاقتصادي. فصحيح أن اقتصادنا يواجه رياحا معاكسة لا يمكن إنكارها في المدى القريب، بدءا من قطاع عقاري تجاري هش إلى ارتفاع أسعار البنزين. ولكن هناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن الاقتصاد الأمريكي مهيأ لتحقيق نمو قوي ودائم في المدى الطويل.
استنادا إلى المحادثات المنتظمة التي أجريتها مع قادة الشركات في مختلف القطاعات، أعتقد أن معظم التوقعات الاقتصادية فشلت في الأخذ في الحسبان الابتكارات في اقتصادنا التي يمكن أن تضيف 0.25 إلى 0.50 نقطة مئوية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل.
من بين الأسباب العديدة التي تدعو إلى التفاؤل، هناك ستة عوامل على وجه الخصوص تعمل على تعزيز هذا التحول. أولا، رغم بعض التشاؤم الذي طال أمده في السوق، فإن أداء الشركات يتسم بالبراعة. فقد أدت التحديات التي فرضتها الجائحة إلى بناء القدرة على الصمود، وأصبح الرؤساء التنفيذيون بارعين في التعامل مع التضخم، عبر تبني التكنولوجيا لتحسين الإنتاجية وتخصيص المال لتحقيق الأهداف طويلة الأجل. ففي يونيو، وصل مؤشر ثقة الرؤساء التنفيذيين إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عام.
أما العامل الثاني الذي يدفع التسارع الاقتصادي المحتمل: ديناميكيات القوى العاملة التي تعود بالنفع على الشركات والعمال على حد سواء. ففي حقبة ما بعد الجائحة، أصبح العمال أكثر تمكينا، حيث أدت سوق العمل الضيقة إلى زيادة الأجور ومزيد من فرص العمل. وفي الوقت نفسه، تؤكد الشركات استمرارية القوى العاملة وتعلق أهمية كبرى للقوى العاملة المستقرة والمدربة.
كما ساعدت تكنولوجيا المعلومات الشركات على تحسين هوامش الربح وإدارة التقلبات، ما ساعد بدوره على تقليل ضغوط التكلفة. ففي الوقت الحالي، يمكن لشركات مثل وولمارت وتارجت تغيير اختيار المخزون بناء على الطلب في الوقت الحقيقي. فطلبيات الشراء التي كانت تستغرق أياما أو أسابيع يمكن أن تستغرق الآن مجرد دقائق. ونتيجة لذلك، يمكن للشركات إدارة إنفاقها ومخزونها ومخاطرها بشكل أفضل. وكل هذا يصب في مصلحة العمال لأنه يقلل من الحاجة إلى تخفيضات كبيرة في أعداد الموظفين.
العامل الرابع هو القوة المستدامة في الإنفاق الاستهلاكي. فمنذ 2019، عملت قوى السوق وقرارات السياسة الذكية على دعم المستهلكين وتمكينهم. حيث ساعدت المعونات الحكومية في فترة الجائحة في دعم الصحة الاقتصادية للأمريكيين. وارتفعت الأجور الحقيقية بين عامي 2019 و2022، مع حدوث أقوى نمو في الجزء السفلي من توزيع الأجور. وظل نمو الأجور ثابتا وتجاوز معدل التضخم. وتظل الأرصدة النقدية للأسر مرتفعة أيضا، الأمر الذي يغذي استمرار نمو الإنفاق حتى في ظل ارتفاع الأسعار.
العامل الخامس هو الدور الذي تلعبه عمليات الاندماج والاستحواذ التي تعتمد على الابتكار في تحقيق النمو في المدى الطويل. فتاريخيا، كانت أهداف عمليات الاندماج والاستحواذ هي الحجم، والمنتجات والأسواق الجديدة، وبالتأكيد ترشيد التكلفة. وفي الآونة الأخيرة، تحول الأساس المنطقي الاستراتيجي نحو تعزيز محرك الابتكار في الشركة. كان هناك تركيز على التسويق المستهدف، وتعزيز سلاسل التوريد، وطرق توزيع المنتجات الجديدة وتحسين بصمة التصنيع. فمثلا، استحوذت مجموعة من شركات البيع بالتجزئة على التكنولوجيا المتقدمة في التوزيع والتسليم في اليوم نفسه.
ينبغي لنا ألا نستبعد النمو الذي يأتي من الاستثمار الحكومي الاستراتيجي الشامل في اقتصاد الولايات المتحدة. إن أغلبية ما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار من التمويل الفيدرالي المخصص للاستثمار الإنتاجي الذي مر على مدى الأعوام الأربعة الماضية لم يتم إنفاقها بعد. وإلى جانب هذا الاستثمار العام، هناك قطاع خاص محفز يتطلع إلى زيادة الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ففي ولاية أوهايو مثلا، تستثمر شركة إنتل ما يصل إلى 100 مليار دولار في بناء مركزها الجديد لتصنيع أشباه الموصلات، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى الإعفاءات الضريبية الفيدرالية التي تهدف إلى تحفيز مشاريع كهذه.
لا تزال هناك مخاوف معلقة لدى صناع السياسات وقادة الشركات، ولم تطو البلاد صفحة التضخم بشكل كامل أو تعالج عديدا من تحديات سياساتنا. وهناك مخاطر قصيرة المدى يمكن أن تؤدي إلى التقلبات. ولكن إشارات عدة تدل على نمو قوي ومستدام في الأعوام المقبلة، وهو التغيير الذي ينبغي له أن يسعد المستثمرين ويؤكد صحة خيارات السياسة الاقتصادية الأخيرة. لقد حان الوقت للتخلص من التساؤلات حول مدى سوء الركود، والحديث بدلا من ذلك عن طول مدة استمرارية دورة النمو المقبلة.

الكاتب هو المؤسس المشارك لشركة سنترفيو بارتنرز

الأكثر قراءة