انتكاسات التنمية وتداعيات الهشاشة

لم تكن الصراعات والعنف وهشاشة البيئة المعيشية عموما، سوى عوامل كابحة ليس للتنمية المحلية في المناطق المتأثرة فحسب، بل للنشاط الاقتصادي العالمي الذي يهدف إلى تحقيق مستهدفات تنموية على المديين المتوسط والبعيد. وأن هذه الخلافات عموما تمر بمراحل مختلفة، في الأغلب ما تشتد وطأتها، ونادرا ما يتوصل أطرافها إلى حلول ناجعة وفاعلة وحقيقية لها.
وإذا كانت هذه القضايا تؤثر بشكل خطير في دول تستند إلى أنظمة تتمتع بالحد الأدنى من الثبات، فإنها تدمر عمليا أي محاولات تستهدف الإنقاذ والتنمية في المناطق الهشة. فهذه المناطق تعاني أساسا ضعف كفاءة الأنظمة الحاكمة فيها في أداء مهامها الأساسية، وفي مقدمتها الرعاية التي يستحقها المواطنون فيها.
ومن هنا، يمكن النظر إلى المشاريع والمخططات الإنمائية والتنموية التي واجهت مصاعب جمة في العقدين الماضيين على وجه الخصوص في المناطق والدول المشار إليها.
المشكلة الرئيسة هنا، أن الانتكاسات في هذه المناطق مستمرة، وقلما تجد انفراجا يمكن الاستناد إليه لإطلاق أو مواصلة مخططات التنمية، ولا سيما تلك التي تقوم بها المنظمات العالمية مثل البنك الدولي. وهذا الأخير حدد الفترة الفاصلة منذ 2010 حتى اليوم بمرحلة "ازدهار" الصراعات العنيفة التي بلغت مستويات غير مسبوقة. وبالفعل، حول تفاقمها في كثير من الأحيان مخططات البناء والتنمية إلى مسارات عكسية. وهذا ما نشر المخاوف تلو الأخرى في الأوساط الراعية لبرامج التنمية، خصوصا بعد فترة من الاستقرار سبقت 2010، شهدت الدول الفقيرة وتلك التي توصف بالأشد فقرا قفزات نوعية من خلال تنفيذ جيد وعالي المردود لمخططات الأمم المتحدة الإنمائية التي أطلقتها في نهايات القرن الماضي.
والمشكلة تتفاقم أكثر مع اندلاع صراعات عالمية جديدة، لا دخل للمناطق الهشة أو الدول الفقيرة فيها. مثل الحرب الدائرة في أوكرانيا التي تعد الأخطر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فهذه الحرب (كما هو معروف) فاقمت ضغوط الأسعار في قطاعات الطاقة والسلع الأولية والأساسية، ورفعت من الضغوطات الآتية من التضخم. والحرب ذاتها أثرت في الدول المتقدمة بصورة كبيرة، وعلينا أن نتخيل التأثيرات في دول فقيرة ومناطق هشة عموما. ومع العوامل الموجودة أصلا على الأرض، اتسعت فجوة انعدام الأمن الغذائي التي تنال من 240 مليون إنسان حتى 2027. وهذه النقطة على وجه الخصوص تعمق أعمال العنف والمخاطر في المناطق الهشة. وفق مجموعة البنك الدولي، هناك أكثر من 20 مليونا يعيشون فقرا مدقعا في الدول المتأثرة بالهشاشة والخلافات الجيوسياسية، في حين من المتوقع أن ينخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل بحلول العام المقبل.
والصراعات المشار إليها، لا تنال فقط من خطط التنمية المحلية (إن وجدت) والدولية الموجودة فعلا، التي تم إطلاقها في الأعوام الماضية، بل تنتج ما يمكن وصفه بـ"أزمة اللجوء والنزوح"، ففي العقدين الماضيين تنامى عدد اللاجئين، فضلا عن أعداد النازحين ضمن مناطقهم، التي تضيف مزيدا من الاضطراب إلى المشهد الخطير العام. صحيح أن أغلبية هؤلاء اللاجئين أتوا من خمس دول فقط، بحكم اشتداد العنف فيها، غير أن هناك لاجئين من مناطق تشهد استقرارا أمنيا، لكنها تعيش مخاطر انعدام الأمن المعيشي إن جاز التعبير.
وأخيرا لا يمكن لأي جهة في العالم تحقيق قفزات معقولة على صعيد مساعدة الدول والمناطق الهشة دون وجود حالة من الاستقرار والأمن. وهذا يبرز حقيقة أن الصراعات هي العدو الأول لأي برامج تستهدف بناء حالة معيشية كريمة في هذا البلد أو ذاك. والمشكلة أن مفاتيح الحلول لهذه الانقسامات لا تزال مفقودة، أو أنها لا تعمل في الأساس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي