السعودية .. التكامل بمؤشرات اقتصادية

في تعريفات معظم خبراء علم الاقتصاد يرتبط مفهوما التكامل الاقتصادي وإنتاج التجارة Trade creation، ويقصد بمفهوم التكامل الاقتصادي الترابط الاقتصادي مع العالم، بحيث يكون للدولة مشاركة بنسبة عالية من التجارة البينية مع العالم الخارجي، وفي الوقت نفسه يشير مفهوم "إنتاج التجارة"، إلى عملية تبادل السلع أو الخدمات مع إيجاد الرفاهية الاقتصادية وفتح فرص التجارة الجديدة بين دولتين أو مناطق أو أكثر.
وبشكل عام، فإن الدارسات المتخصصة تشير إلى ثلاثة عوامل أساسية تؤثر في الاندماج الاقتصادي أولها التحسينات في تكنولوجيا النقل والاتصالات التي تقود نحو خفض تكاليف نقل السلع والخدمات وعوامل الإنتاج وتوصيل المعرفة والتكنولوجيا المفيدة اقتصاديا، واستفادة الأفراد والمجتمعات على مستوى عام من الفرص التي يوفرها انخفاض تكاليف النقل. ثالثا، السياسات العامة.
من جانب آخر، فإن الاندماج والتكامل الاقتصادي وإنتاج التجارة تتضمن انخفاض الحواجز التجارية، وتخفيض الرسوم والتعريفات الجمركية، وهذا يؤدي في العادة إلى زيادة المنافسة للشركات وانخفاض الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين، لكن ذلك يمكن أن يؤدي أيضا إلى بعض النتائج السلبية، مثل فقدان الوظائف في بعض القطاعات المحلية أو زيادة المنافسة على الشركات المحلية. كما أن نجاح التخطيط الاقتصادي يكمن في الفوز بالمزايا النسبية التي يحققها التكامل الاقتصادي وزيادة الاندماج مع العالم الخارجي، وأيضا إنتاج التجارة بشكل تنافسي. التخطيط الاقتصادي الناجح يعني تحسين السياسة التجارية وزيادة كفاءة تخصيص الموارد، ودمج المجتمع في العمل نحو تحقيق المزايا النسبية الاقتصادية المنشودة، بتعزيز الصناعات الوطنية.
ومن هذه التعريفات والمصطلحات، فإن النجاح الذي تحققه الدول في مجال الاندماج الاقتصادي مع دول العالم، وفي مجال إنتاج التجارة يظهر في شكل مؤشرات اقتصادية مختلفة ومتنوعة، في هذا السياق نجد أن السعودية قد حققت تكاملا واندماجا اقتصاديا في الاقتصاد العالمي لتبلغ نسبته 63.1 في المائة، واحتلت بذلك المركز الـ17 على مستوى الاقتصاد العالمي، وهذا الاندماج يظهر في عدد من المؤشرات الاقتصادية الرئيسة، منها احتلال المركز الثاني عالميا في نسبة نمو السياح الدوليين، كما احتلت المرتبة الـ17 عالميا من أصل 64 دولة هي الأكثر تنافسية في العالم، وفق تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، ونجحت السياسات المتعلقة في دعم الصادرات السعودية ووصولها إلى الأسواق العالمية، حيث زادت الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 54.4 في المائة، كما تزايدت المقدرة التصديرية للاقتصاد السعودي من 33 إلى 39.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وتزايدت قدرة الصادرات من السلع والخدمات على تغطية الواردات من السلع والخدمات من 134.5 في المائة 2021 إلى 171.9 في المائة 2022، أما الصادرات غير النفطية فقد بلغت قيمتها 315.7 مليار ريال بمعدل نمو 13.7 في المائة وبنسبة بلغت 20.5 في المائة من الصادرات السلعية محققة وصولا إلى 178 دولة حول العالم.
وفي مجال إنتاج التجارة، فقد صنفت تقارير صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية ذات الصلة، الاقتصاد السعودي كأحد أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموا في 2022. بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة 4.155 تريليون ريال ليتجاوز للمرة الأولى سقف التريليون دولار، كما حقق معدل نمو 8.7 في المائة هو الأعلى في دول مجموعة العشرين. ورغم أن هذه المؤشرات تقدم دليلا على توسع حجم الاقتصاد السعودي، فإن الركيزة الأساسية لمفهوم إنتاج التجارة تأتي مع مؤشرات زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي للاقتصاد السعودي التي وصلت إلى 81.2 في المائة، وزيادة معدل الاستثمار (النسبة المستثمرة من الناتج) ليصل إلى 27.3 في المائة، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص 1.634 تريليون ريال، ووصلت مساهمته في الناتج المحلي إلى 41 في المائة، بمعدل نمو 5.3 في المائة.
وكما أشرنا سابقا، فإن الانتقاد الأساسي لسياسات الاندماج والتكامل الاقتصادي يأتي من أثرها في العمالة الوطنية والمحتوى المحلي، وزيادة المنافسة على الشركات المحلية، لكن المؤشرات التي أشرنا إليها ومن ضمنها زيادة قدرة الصادرات من السلع والخدمات على تغطية الواردات من السلع والخدمات من 134.5 في المائة 2021 إلى 171.9 في المائة 2022، يعد أهم مؤشر على أن الشركات المحلية والاقتصاد السعودي قد حققا مزايا التكامل مع دول العالم دون أن تتأثر الصناعة المحلية، كما أن زيادة الاكتفاء الذاتي إلى أكثر من 80 في المائة، وكلا المؤشرين يعزز الأمان الاقتصادي الذي تنعم به السعودية، الذي بدا واضحا في عدم تأثر الأسعار بشكل كبير بالتضخم العالمي وارتفاع أسعار الفائدة واتجاه دول مختلفة إلى تقنين الصادرات، فقد تراجع التضخم إلى نحو 2 في المائة في أغسطس 2023، مقارنة بـالشهر نفسه من 2022، وهو أقل من يوليو السابق. وفي شأن اليد العاملة فقد ارتفع عدد المشتغلين في القطاع الخاص: من 8.084 مليون مشتغل 2021 إلى 9.422 مليون مشتغل 2022 بمعدل نمو 16.6 في المائة. وزاد عدد السعوديين المشتغلين في القطاع الخاص من 1.910 مليون مشتغل 2021 إلى 2.195 مليون مشتغل 2022 بمعدل نمو 14.9 في المائة.
خلاصة الأمر، إن كل هذه المؤشرات تقدم صورة حقيقية عن حالة الاقتصاد السعودي ومتانته واستمرارية نموه وكيف استطاع تحقيق توازن قوي بين التكامل والاندماج الاقتصادي من جهة، وبين إنتاج التجارة في الداخل المحلي من جهة أخرى، بما يحقق الرفاهية الاقتصادية وتشغيل اليد العاملة والوصول إلى الأسواق العالمية بتنافسية عالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي