أسعار الفائدة .. ما دور 12 رئيسا فيدراليا؟
كيف يمكننا معرفة اتجاه معدلات الفائدة في الولايات المتحدة من الآن إلى 2026، وبعد ذلك ما توقعات معدلات الفائدة على المدى الطويل؟ لا أحد يعلم إلى أين ستتجه معدلات الفائدة في المستقبل، لأن ذلك يعتمد على تطورات عديدة لا يمكن التنبؤ بها، لكن يظل هناك فارق كبير بين رأي الخبراء الرسميين ورأي غيرهم من خبراء ومتابعين، فمن هؤلاء الخبراء الرسميون؟
بحكم المكانة الكبيرة للاقتصاد الأمريكي على مستوى العالم وتأثير ذلك في النظم النقدية والمالية في أمريكا وخارجها، فالأنظار تتجه دوما نحو قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يعد بمنزلة البنك المركزي الأمريكي والمتكون من 12 بنكا مركزيا منتشرة حول البلاد، ويصدر قراراته من خلال لجنة السوق المفتوحة المكونة من أعضاء المجلس الفيدرالي في اجتماع معلن مسبقا.
في أعوام سابقة كانت هناك انتقادات حادة موجهة ضد قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لأنها تأتي مباغتة للأسواق وتنتج عنها في بعض الأحيان تفاعلات حادة ذات تأثيرات قوية في مناح اقتصادية ومالية عديدة، كأسواق الأوراق المالية وتكلفة التمويل العقاري إلى جانب تأثيرات أخرى تطول مستويات البطالة والناتج المحلي الإجمالي في كل مكان.
للتخفيف من وطأة قرارات "الفيدرالي"، قرر بن برنانكي الرئيس الأسبق للفيدرالي العمل بأسلوب جدول توقعات خبراء الفيدرالي، وهم رؤساء البنوك المركزية في أمريكا البالغ عددهم 12 رئيسا، بحيث يقوم كل رئيس بالإدلاء بتوقعاته لنطاق الفائدة الرسمية المستهدفة من قبل الفيدرالي، أو معدل التمويل الفيدرالي الذي نسمع عنه كثيرا عقب اجتماعات الفيدرالي الشهرية. المطلوب من هؤلاء الخبراء المهنيين أن يقوم كل شخص بوضع توقعاته لمستوى الفائدة للعام الحالي والأعوام الثلاثة المقبلة، إضافة إلى توقعاته للفائدة على المدى الطويل.
أهمية هذه التوقعات أنها تأتي من خبراء، ولذلك تؤخذ بمصداقية أعلى من غيرها، وتكون لها أهمية بالغة حين تصدر في نهاية كل ربع من العام، هذا على الرغم من أنها توقعات غير ملزمة للفيدرالي وليس بالضرورة العمل بها عند اتخاذ القرارات، ويحدث بالفعل أن تكون تلك التوقعات خاطئة إلى حد كبير، منها أن هذه الآراء كانت ترى معدلات الفائدة بنهاية 2022 عند مستوى 0.75 إلى 1 في المائة، وذلك في التوقعات الصادرة بنهاية 2021، بينما في حقيقة الأمر وصلت الفائدة إلى 4.5 في المائة بنهاية 2022.
ولكن على الرغم من ذلك تظل هناك أهمية بالغة لرأي الخبير، أيا كان هذا الخبير وفي أي مجال، ولا سيما أن هؤلاء في هذه الحالة خبراء على رأس العمل وتتوافر لديهم بيانات خاصة ببنوكهم المركزية وهم على اطلاع عميق بالأوضاع الاقتصادية والمالية على المستوى الفيدرالي.
كيف يرى خبراء مجلس الفيدرالي مسار الفائدة في الفترات القائمة بحسب آخر جدول للآراء صدر الأسبوع الماضي؟
حاليا ترى النسبة الكبرى من الأصوات، بواقع 63 في المائة، أن معدل الفائدة سيرتفع ربع نقطة مئوية بنهاية 2023، وبنهاية 2024 هناك تباين أكبر في الآراء، إلا أن التوقعات تشير إلى تراجع طفيف إلى 5 في المائة، من 5.5 في المائة حاليا. أما في 2025 فالتباين في الآراء يتسع أكثر، فيتنوع من توقعات متدنية عند مستوى 2.75 في المائة إلى رأي واحد قذف بمعدل الفائدة إلى 6.25 في المائة. وعندما ننظر إلى 2026 تنخفض حدة التباين قليلا ويظهر أن المعدل المتوقع يقارب 2.75 في المائة، ومن ثم يرى هؤلاء الخبراء مستويات الفائدة على المدى الطويل، ما بعد 2026، ستكون قريبة إلى 2.5 في المائة، وذلك بنسبة نحو 75 في المائة من الآراء.
الحكمة من متابعة آراء خبراء الفيدرالي حول مسارات الفائدة المستقبلية ليس في كونها آراء دقيقة يمكن الاعتماد عليها بشكل مطلق، لكن في كونها آراء مدروسة ومطلعة، وبذلك فهي تختلف عن الآراء الفردية أو المؤسسية العامة أو الخاصة التي تصدر هنا وهناك. وبالفعل هناك جدوى من قراءة جدول التوقعات الذي ينشره الفيدرالي في أنه يمنح الأسواق دلالات مبكرة تعين في تحديد مسارات الفائدة، حيث على سبيل المثال ارتفعت تكلفة التمويل العقاري لمدة 30 عاما بنحو 1.14 في المائة قبل إعلان أول رفع فعلي لمعدلات الفائدة في مارس 2022، ما يدل على أن الأسواق تأخذ تلك التوقعات بشيء من الجدية، هذا إضافة إلى استفادة متخذي القرار في كل مكان من التخطيط على أسس مبنية على توقعات مهنية مدروسة.