العمل التطوعي .. والتغطية الإعلامية
عرف العمل التطوعي في مجتمعنا منذ القدم، حيث كان المزارعون يساعدون جيرانهم تطوعا في أيام الحصاد وجذاذ النخيل وحرث الأرض، وغيرها من المواسم الزراعية المعروفة، ولأن العمل التطوعي صفة من صفات المجتمعات الحيوية التي تساعد على تفعيل جميع طاقات المجتمع بشكل يعود على الوطن بإنجازات إضافية بسواعد أبنائه، ركزت رؤية 2030 عليه ضمن برامجها المهمة وأهدافها السامية ووضعت الوصول إلى مليون متطوع ومتطوعة أحد مستهدفاتها، وقد تحقق حتى الآن معظم هذا الرقم. وتقوم منصة العمل التطوعي بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
مهمة هذه المنصة توفير بيئة آمنة تخدم وتنظم العلاقة بين الجهات الموفرة للفرص التطوعية والمتطوعين في مختلف مناطق المملكة، ويمكن للراغب في التطوع اختيار المكان والزمان والمجال الذي يناسب مهاراته وخبراته، ويتم توثيق ساعات التطوع ثم إصدار شهادة التطوع التي تؤهل المتطوع من الشباب والفتيات، لينضم إلى ركب المليون متطوع تحت راية الرؤية المباركة. وبعد هذه المقدمة المطولة أنتقل إلى الحديث عن نماذج تطوعية تشاهد في ميادين الشرف. فمن يخدم حجاج بيت الله الحرام والزوار المعتمرين في مكة المكرمة والمدينة المنورة يستحق هذا اللقب، حيث يرشد من يحتاج إلى معرفة الطريق ويقدم المساعدات بأنواعها ويحمل كبار السن عند عجزهم ويسقي العطشان ويوفر الظل لمواجهة حرارة الجو وشمس الظهيرة، وفي مواقع أخرى وجدنا المتطوعين مع هيئة الهلال الأحمر السعودي يراقبون الحشود في الحدائق والمتنزهات لتقديم الإسعافات الأولية لمن يحتاج إليها، وقد تحدثت مع عدد منهم في حديقة الردف في الطائف، فوجدت أن لديهم من الخبرة والتدريب السابق وأهم من ذلك الابتسامة، ما يساعد بإذن الله على شفاء من يشعر بالتعب والإرهاق أو الإعياء.
في حديقة الردف أيضا وجدت شبابا وشابات من المتطوعين العاملين مع جمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية، وهم يقومون بالكشف المجاني على من يرغب من زوار الحديقة ويقدمون له النصائح ويركزون على الأمراض المزمنة كالسكري والضغط... ويتم إرشاده إلى كيفية الحصول على العلاج والأجهزة إن كان لا يستطيع الحصول عليها بالشراء. وفهمت من منسوبي هذه الجمعية أنها تغطي بخدماتها منطقة مكة المكرمة.
هذه مجرد أمثلة وهناك كثير من المتطوعين والمتطوعات، ويبقى أن تقوم الجمعيات الخيرية بدعم المتطوعين واستقطابهم للعمل معهم كل حسب اختصاصه، خاصة الثقافة الصحية ونشرها بين مرتادي المتنزهات والأسواق والمرافق العامة في مختلف مناطق بلادنا، على أن يكون ذلك ضمن الدرجات المهمة في تقييم هذه الجمعيات، كما أن الأعمال التطوعية وهي من أهم الأنشطة التي تحتاج إلى حوكمة وضبط، وهو ما توليه غاية الاهتمام الدولة عبر المؤسسات ذات العلاقة، إلا أنه ليس مقتصرا على الجمعيات الخيرية، بل يتعداه لكل مؤسسة من مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص الذي لو أتيح لمنسوبيها التطوع في مجالاتهم سواء بالمجهود أو الفكر والخبرات، لتم سد كثير من الثغرات المعرفية والاحتياجات الخدمية والتخصصية وفق حوكمة يمكن أن يعمل عليها المركز الوطني للتطوع، أو المركز الوطني لتنمية العمل غير الربحي.
أخيرا، بقيت نقطة واحدة وهي أن يهتم الإعلام بالعمل التطوعي وتوفير تغطية أفضل لهذا العمل المهم، ومخطئ من يظن أن ذلك النوع من الأعمال يجب أن تكون في الظل لكونه من أعمال الإحسان التي ورد حث فاعلها على عدم إبرازها، بل إن الفائدة المتعدية لإعلان مثل هذه الأعمال التطوعية وإبراز فاعليها من شأنه زيادة عدد المتطوعين وإشعارهم بأهمية ما يقومون به من أعمال لخدمة المجتمع والوطن.