التأثير المجتمعي للبحث العلمي

من البدهي ألا يكون البحث العلمي عبثيا، بل مفيدا للمجتمع ويسهم في إيجاد حلول للتحديات التي تواجه الإنسان والمجتمع. ومن المؤسف أن مفهوم التأثير المجتمعي للبحث العلمي ليس شائعا بالدرجة المأمولة. فالباحث ينجز بحثه ويسعى إلى نشره في وعاء نشر مناسب دون بذل كثير من الجهد للتفكير في كيفية تعظيم تأثير البحث في المجتمع، على الرغم من أن هذا الأمر ينبغي أن يكون جزءا لا يتجزأ من البحث، لأنه يقيس فائدة مخرجات البحث العلمي على المجتمع والاقتصاد. بناء عليه، فإن هناك حاجة كبيرة إلى تقييم التأثيرات التي تحدثها مخرجات البحوث العلمية عموما والاجتماعية خصوصا في المجتمع، وتحديد المستفيدين، ومدى انتشار الفائدة، وذلك من أجل التأكد من جدوى البحث العلمي على مستوى الباحث والجهة البحثية.
بوجه عام، ينبغي ألا يغيب عن البال أن هناك فرقا كبيرا بين التأثير المجتمعي والتأثير العلمي أو الأكاديمي، فالأول يدل على الإسهام الذي تقدمه البحوث العلمي للمجتمع عموما والاقتصاد خصوصا، وذلك من خلال توليد المعرفة، والتوصل إلى ابتكارات جديدة، كالمنتجات والوظائف وكذلك تطوير الخدمات والسياسات الجديدة أو تحسينها، بما يعزز جودة حياة الناس، ويمتد ذلك إلى الجوانب الثقافية والخدمات العامة والصحة والبيئة وكذلك التغييرات الإيجابية في الممارسات والسياسات والتشريعات. في الجانب الآخر، يشير التأثير العلمي إلى التأثير في المجتمع العلمي والتخصص الأكاديمي من خلال تطوير النظريات والمنهجيات العلمية، ويقاس ذلك باستخدام مؤشرات كثيرة منها عدد الاستشهادات أو عدد المنشورات وجودة وعاء النشر وغيرها.
من هذا المنطلق، تركز الجهات الداعمة للبحوث وكذلك صناع السياسات بشكل متزايد على الفوائد المجتمعية لإنفاقهم واستثماراتهم في البحوث، خاصة التطبيقية منها وليست البحوث الأساسية. ونتيجة ذلك، تواجه الجامعات والمؤسسات البحثية ضغوطا متزايدة لإثبات تأثيرها المجتمعي، ومن ثم مبرر وجودها وقيمتها، وكذلك جدوى الإنفاق على البحث العلمي.
بناء عليه، تزداد الحاجة إلى أساليب كمية موثوقة لقياس التأثير المجتمعي للبحث العلمي في جميع التخصصات، مع التأكيد على أن يكون قياس التأثير قابلا للإثبات، ولا يكتفى بتنظيم مؤتمر وورش عمل أو نشر تقرير فقط، بل لا بد من إبراز تأثير البحوث في المنتجات وفي صناع السياسات والممارسين، بما ينعكس على تحسين الخدمات أو تطوير المنتجات أو ممارسات الأعمال والأنشطة. وينبغي أن تكون هذه المقاييس والمؤشرات والأدوات الكمية موحدة لقياس التأثير المجتمعي بشكل عام، ما يزيد من أهمية تطبيقها في المؤسسات البحثية، وجهات دعم وتمويل البحث العلمي، إضافة إلى استخدامها من قبل صناع القرار والسياسات. وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن هناك اهتماما متناميا لدى الباحثين لأخذ التأثير المجتمعي للبحوث عند طلب التمويل. ومن الأمور التي ينبغي ألا تغيب عن بال الباحثين والمؤسسات البحثية ضرورة توسيع دائرة القراء والمستفيدين، ولا يمنع ذلك من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على تسهيل وصول القراء إلى نتائج البحث العلمي من خلال الوصول أو النشر المفتوح open access، وهذا ما يؤكده كثير من الباحثين، إضافة إلى المشاركة المباشرة مع المستفيدين من خلال المؤتمرات والفعاليات ذات الصلة.
في الختام، أطرح تساؤلا عن مدى اهتمام الجامعات والمؤسسات البحثية بالتأثير المجتمعي لمخرجات البحث العلمي عموما، وكذلك عن مدى الجهود لإيجاد نماذج أو مؤشرات لقياس هذا التأثير، مع علمي أن هذا الأمر لا يخفى على قادة البحث العلمي في كثير من جامعاتنا السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي