فيلم «جران توريزمو» يحول العالم الافتراضي إلى واقع
منذ بداية ظهورها استحوذت الألعاب الإلكترونية على تفكير فئة كبيرة من جيل الشباب خاصة المراهقين، وحققت لهم انتصارات وهمية في عالم افتراضي سجلتهم أبطالا خرافيين في عالم ينتمون إليه ولا يشبه واقعهم. ولكي تبقى السينما حاضرة في عالمهم المختلف كان لا بد أن تروي قصصا تشبههم وتبني نجاحاتهم التي تحولت إلى واقع وحولت بدورها ألعاب العالم الافتراضي إلى نجاحات حقيقية تلذذوا بطعم انتصاراتها.
فيلم "جران توريزمو" يجسد هذه الصورة بجميع تفاصيلها، في إطار من الدراما والحركة، يتناول العمل القصة الحقيقية للاعب محترفا في اللعبة خلف شاشات الكمبيوتر وعلى المنصات الإلكترونية، نجح في تحويل عالمه الافتراضي إلى واقع واستطاع الفوز بعديد من المسابقات الخاصة باللعبة حتى بات سائق سباق سيارات محترف في أرض الواقع، يحصل على جوائز عديدة ويكسر أرقاما قياسية.
جران توريزمو
الفيلم مقتبس من قصة حقيقية وتدور أحداثه حول فتى يافع بسبب مهاراته في لعب الألعاب الإلكترونية يفوز بمسابقات نيسان ويصبح سائقا محترفا لسيارات السباق، وهو من بطولة أورلاندو بلوم، ديفيد هاربر، دارن بارنت، جاري هلول هورنر، وجيمن هونسو، إضافة إلى آرشي ماديكوي وإخراج نيل بلومكامب، ويروي القصة الملحمية لجان ماردينبور فتى بريطاني يهوى الألعاب الإلكترونية ويحلم بأن يصبح بطل سباقات وتتيح له أكاديمية جران توريزمو الفرصة لإثبات نفسه، وتفتح المجال أمامه للمشاركة في سباقات السيارات الذي نظمته شركتا نيسان وسوني على أرض الواقع، ويتحول من هاو افتراضي إلى بطل حقيقي.
من لاعب إلى متسابق
لم تكن فكرة الفيلم جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة، فقد سعت شركة نيسان منذ 2008 ومن خلال إطلاق مسابقة بعنوان "من لاعب إلى متسابق" في كسر الحواجز والمساهمة في تحويل مجموعة من محترفي لعبة "جران توريزمو" إلى سائقي سباقات سيارات محترفين، من خلال استكشاف العناصر المساعدة للتحول من مجرد لاعب متمكن إلى سائق محترف، الأمر الذي فتح الأبواب أمام عديد من المواهب الطموحة حول العالم، ولا سيما أن سباقات السيارات تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام وشغف الفئة الشابة وتعبر بشكل أو بآخر عن تلك الرغبة في البحث عن الفوز التي تتملكهم.
التحدي من أجل الفوزغالبا ما يبحث المراهق خلال هذه المرحلة العمرية عن شيء مختلف، ما يولد في داخله الرغبة في التحدي وقلب الموازين لما يتناسب وأحلامه، وأول من يدخل معهم لعبة التحدي هم عائلته، خاصة الأب، في محاولة منه لإثبات وجوده وأولا وتعبيرا عن نضجه وخروجه من تحت عباءة العائلة ثانيا، وهذه النزعة الاستقلالية التي تقوده إلى البحث عن أي نوع من التحدي تبدو واضحة في الفيلم من خلال رغبة البطل جان مارديبنور المراهق البريطاني الذي قبل التحدي في تحويل عبقريته في القيادة خلف العجلة الافتراضية إلى مهنة حقيقية، بهدف إظهار خطأ والده الذي كان مصرا على أن كونه جيدا في لعبة قيادة سيارات لا يؤهله لقيادة سيارات سباق حقيقية.
إنها رغبة حقيقية للتحدي والفوز تدور بين لاعب من الطبقة العاملة (آرشي ماديكوي) وسائق سباق فاشل (ديفيد هاربور)، ومدير مثالي في رياضة السيارات (أورلاندو بلوم)، يخاطرون معا بكل شيء لممارسة الرياضة الأكثر نخبة في العالم، ما يحول فيلم "جران توريزمو" إلى قصة ملهمة ومثيرة مليئة بالحركة تثبت أنه لا يوجد شيء مستحيل عندما يحركك دافع داخلي وإصرار وإيمان قوي بأن الفوز ممكن متى وجدت الرغبة والمثابرة والتحدي.
المرشد القاسيبعد فوزه بمباراة التأهل الجماعي ينتقل جان إلى ما يشبه مخيم التدريب ليواجه منافسه الأقوى في الأكاديمية (دارين بانت)، ولكي ينجح في مهمته يجب أن يكون تحت وصاية مدرب أو مرشد له باع كبير في مجال قيادة السيارات، وهنا ينجح (ديفيد هاربور) في تجسيد شخصية المدرب الذي يعامل بطله، رغم إيمانه به، بكثير من القسوة والخشونة حتى ينجح في استفزاز رغبته الحقيقية في الحصول على الفوز. يتميز هاربور بجميع عناصر شخصية المرشد المبتذلة والمتوقعة، قسوة أسطورة يتقدم بالسن، والكلام الحماسي في الوقفات القصيرة خلال السباق، والتحول النهائي إلى شخص يؤمن بمقدرات تلميذه، عناصر نجح في حبكها بطريقة مشوقة تذكرنا بمدربين في رياضات مختلفة نجحت قسوتهم في صناعة أبطال.
إخراج عصري
بعد عشرة أعوام من السعي لتحويل لعبة إلكترونية إلى فيلم يدخل صالات السينما وينافس أشهر الأفلام، نجح المخرج بلومكامب في تحقيق حلمه وأخذ قصة لعبة مشهورة ومنحها الطاقة المطلوبة وتحويلها إلى قصة نجاح هادفة، في أسلوب إخراج عصري فريد من نوعه قلما نراه في الأفلام السينمائية. وتتجلى عبقرية المخرج من خلال مشاهد السباق الفعلية، التي تتصاعد إثارتها بثبات إلى لحظات استعراض مع أصوات تصم الآذان وسرعة مذهلة. يقفز بلومكامب في جميع أنحاء مضمار السباق، وينقض من فوق رأسه عبر لقطات دراماتيكية باستخدام كاميرا طائرة مسيرة، ويقرب اللقطات بشدة على وجوه السائقين المتوترة، ويصور داخل وخارج السيارة. كما يقوم بتجميد الصورة بشكل مدروس عند تغيير المواقع، ويدمج لوجستيات السباق الواقعية مع اللغة المرئية للألعاب.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه توجد على حلبة التصوير ما لا يقل عن 600 شخص، وتم نقل السيارات وقطع الصيانة من عدة دول، وتم التصوير في كثير من الأماكن المتباعدة حول العالم، ما جعل الفيلم ينجح في جذب فئة كبيرة ترى ملاذها في الألعاب الإلكترونية وتصدق ما تراه على الشاشة لأنها لمست حقيقة تحول بطل افتراضي إلى بطل حقيقي يسابق على حلبة حقيقية.
حكاية نجاح خرافية
"جران توريزمو" حكاية نجاح خرافية، فبعد أن يتغلب جان المستضعف على شكوكه، وشكوك كبار المتسابقين الأوروبيين وحتى فريقه الرافض للفكرة في البداية، يجد نفسه في تحد حقيقي مع مؤسسة سباقات المحترفين التي تقودها الأموال بالكامل، وما كان يظنه مجرد لعبة أصبحت حقيقة تتطلب كثيرا من الجد والمثابرة والوعي، لأن الخطأ مرفوض وأي زلة قدم قد تعد النهاية له ولحلمه الذي صارع في إقناع كثيرين به، والإصرار على تحقيقه، حيث وجد نفسه أمام خيار واحد لا ثاني له، الفوز ثم الفوز ثم الفوز.
ما نشاهده في النهاية هو قصة خيالية حول تحقيق الأمنيات، وإن كانت مستمدة من قوائم متصدرين واقعية. مع امتلاك جان ساعات كثيرة من الخبرة الرقمية التي تمنحه نظرة جديدة للسباقات، حيث يمكنه أن يرى خطوطا لا يجتازها منافسوه المحترفون، يصبح هو نفسه بمنزلة إعلان تجاري بشري يروج لفوائد قضاء الوقت مع ألعاب الفيديو. بعدما كان الترويج لألعاب الفيديو يركز على أنها "تساعد على التوافق الحركي"، فإن الفيلم يقدم حالة أكثر إقناعا للفوائد الملموسة لهذه الهواية.