«بريكس» والأقطاب الاقتصادية المتعددة
على الرغم من أن مجموعة بريكس ليست جديدة، إلا أنها استقطبت أضواء إعلامية متزايدة خلال الأسابيع الماضية، نتيجة التوترات بين الصين وروسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، علاوة على احتدام الحرب الأوكرانية.
بدءا، فإن بريكس BRICS اسم مجموعة يتكون من الحروف الأولى من الدول المشاركة في هذه المجموعة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. وبناء ما ورد في أكونومك تايمز THE ECONOIC TIMES، فإن هناك توقعات بأن تهيمن هذه المجموعة على الاقتصاد العالمي عند حلول منتصف القرن الحالي، وذلك لأنها تتكون من دول تصنف بأنها من أسرع اقتصادات الأسواق الناشئة نموا في العالم، نتيجة ما لديها من ميزات، مثل: انخفاض تكاليف العمالة، والتركيبة السكانية المناسبة، إضافة إلى وفرة الموارد الطبيعية، فعدد سكانها يمثل نحو 42 في المائة من سكان العالم ويعيشون على أكثر من ربع مساحة الأرض "26 في المائة". وبناء عليه، يتوقع البعض أن تكون مجموعة بريكس أكثر بروزا من مجموعة السبع "كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان". جدير بالذكر أن هذه المجموعة نشأت باقتراح من فلاديمير بوتين، على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 2006، وبعد ذلك عقدت قمة البريك BRIC في روسيا، وذلك قبل انضمام جنوب إفريقيا، وصدر عن هذه القمة بيان يؤكد أن التعاون بين دول المجموعة سيخدم المصالح المشتركة للدول النامية عموما، واقتصادات الأسواق الناشئة خصوصا، وسيساعد على بناء عالم يتمتع بالوئام والسلام والرخاء المشترك. وبعد ذلك قامت دول المجموعة بإنشاء آلية للتعاون بين البنوك في هذه المجموعة لتوفير تسهيلات ائتمانية موسعة بالعملة المحلية، وإلى جانب ذلك تؤكد دول المجموعة أنها تسعى إلى إصلاح صندوق النقد الدولي، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتطوير التقنيات والاتصالات، وتسهيل التجارة البينية.
وفي اجتماعها الأخير في جنوب إفريقيا وجهت المجموعة دعوة للأرجنتين ومصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات وإيران للانضمام إلى المجموعة، وأبدت 40 دولة اهتمامها بالانضمام إلى "بريكس"، بل تقدمت 23 دولة بطلبات رسمية.
على الرغم من ذلك، فإن هناك من يشكك في تأثير هذه المجموعة التي أُسست في 2009، خاصة أنها لم تحقق كثيرا من التأثير منذ ذلك الحين، ربما لوجود بعض الاختلافات بين الأعضاء في القيم، والمصالح، والأنظمة السياسية، إذ اقتصرت إنجازاتها على إنشاء بنك جديد للتنمية لدعم البنية التحتية والمشاريع المرتبطة بالمناخ في الدول النامية، إضافة إلى جهود متواصلة لإنشاء عملة مشتركة، في محاولة للحد من هيمنة الدولار الأمريكي. ولا شك أن هذا -إن تحقق- سيسهم في انكماش الإمبراطورية الأمريكية التي يتوقع بعض المفكرين انكماش هيمنتها خلال العقود المقبلة أمثال جير لنديستاد Geir Lundestad في كتابه "صعود وانحدار الإمبراطورية الأمريكيةThe Rise and Decline of The American Empire وكذلك جون جالتنج John Galtung في كتابهAmerica the Beautiful: The End of American Empire الذي توقع انتهاء الإمبراطورية الأمريكية وتحولها إلى دولة عادية كسائر الدول التي تهتم برعاية شؤونها فقط.
لكن تواجه مجموعة بريكس تحديات كبيرة لإحداث تأثير ملموس لتشكيل نظام عالمي جديد، فعلى الرغم من نجاحها في التوسع ودعوة أعضاء جدد، فإنها لم تتمكن من إيجاد عملة موحدة للتبادل التجاري، ولصعوبة تحقيق ذلك ركزت المجموعة على تعزيز استخدام العملات المحلية، لكن فكرة استخدام العملات المحلية تواجه صعوبات كبيرة، لضرورة الربط بعملة معيارية من أجل تخفيف التذبذب في العملات المحلية. يضاف إلى ذلك وجود اختلاف وجهات نظر ما بين فريقين: الأول يواجه توترات مع الغرب، ويضم روسيا والصين، والآخر لا يريد أن ينظر إلى مجموعة بريكس على أنها مجموعة معادية للغرب، ويضم الهند والبرازيل. أخيرا، يبرز في الذهن تساؤل مهم حول الفائدة التي يمكن أن تعود على المجتمع الدولي من وجود هذه المجموعة؟ يعتقد كثيرون أن وجود هذه المجموعة يسهم في إيجاد أقطاب اقتصادية متعددة تحافظ على التوازن الاقتصادي والسياسي في العالم، ومن ثم تخفيف هيمنة القطب الواحد، ما يخدم السلام والاستقرار العالمي، ويجد هذا الحلم قبولا عالميا كبيرا، خاصة بين الدول النامية.