وهم الطبيعة

قرأت أكثر من تقرير وتصاريح لمختصين حول العسل المغشوش، أو العسل غير الطبيعي حتى ذهب البعض إلى أن نصف العسل الموجود في العالم مغشوش.
من دون تقارير ولا أبحاث وبالحدس فقط تعرف أن كل هذا العسل في العالم لا يمكن أن يكون طبيعيا، نظرة واحدة إلى محل الفول والعامل يسكبه كالماء على "المعصوب"، أو لمحل الفطائر و"المعلم" يرشه على فطيرة "عش البلبل" تجعلك توقن أن هذا خليط من السكر وشيء آخر.
عند تجولك في أي سوق مركزية وترى آلاف الأصناف من صابون الشعر "الشامبو" أو ملطفاته، أو الصابون العادي، ثم تنتقل إلى أقسام أخرى تقدم غذاء أو خليطا معينا، وكل هذه الأصناف مكتوب أنها بالعسل، وبزيت الزيتون، وبذور الكتان، واللوز، والشاهي الأخضر أو أي من المواد المفيدة صحيا، تعرف يقينا أن كل هذا غير معقول.
لا يمكن أن تكفي كميات العسل وزيت الزيتون واللوز المنتجة حول العالم لكل هذه المنتجات الغذائية والتجميلية ومنتجات النظافة، إنها ببساطة مركبات كيميائية لها بعض خصائص هذه المواد وأهمها بالطبع الرائحة، وهذا من سحر الكيمياء التي جعلت البشر يعيشون وهم أنهم يتغذون أو يغتسلون أو يغذون فروة رأسهم بكل هذه المنتجات الطبيعية.
قد أذهب أيضا إلى أشياء أخرى، فشخصيا لا أعتقد أن كل مغلفات القهوة على شكل كبسولات أو أظرف أو مساحيق معبأة في العلب المعدنية والزجاجية، لا أعتقد أنها قهوة خالصة، ولا أظن أن كميات القهوة المنتجة في العالم تكفي لهذه الخطوط الضخمة من الإنتاج، إضافة إلى استهلاك الأفراد من البن واستهلاك المقاهي التي تطحنه أمامك.
ربما يمكن تسمية ذلك بوهم الطبيعة، إحساس الإنسان بابتعاده عن الطبيعة، يجعله يبحث عن منتجات تعطيه هذا الإحساس، وهو أحيانا في قرارة نفسه يعرف أنه يوهم نفسه، فلا يمكن لعبوة كبيرة من "الشامبو" تحتوي على كل هذه العناصر الطبيعية وتكون بهذا السعر، ولا يمكن أن يضع عامل المطعم نحو 100 جرام من العسل على منتجه المبيع بعشرة ريالات.
الأمر يندرج على الكاكاو، وعلى الحليب الطبيعي وعلى قائمة طويلة، والسبب الواضح البسيط أن الاستهلاك يتنامى أسرع من تنامي قدرات الإنتاج، وأن السلوك البشري يزداد شراهة، فالعسل مثلا هو ملعقة صغيرة تضيفها على شيء صباحا وكفى، والقهوة فنجان تشربه مرة في اليوم وليس كوبا حجمه نصف لتر، وهكذا دواليك.
العرض سيستجيب للطلب، والطلب أصبح مجنونا، فلا تنتظر العقل ممن يعرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي