إمدادات مضطربة .. الأسعار والتداعيات
يواجه العالم بشيء من القلق نقصا في الإمدادات الغذائية، وفيما يبدو أن هذا الوضع لن يتوقف رغم بعض الانفراج في أسعار هذه السلع الأساسية، إلا أن هموم الإمدادات وضغوطها رفعتا الأسعار خلال الآونة الأخيرة، بحسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو".
ويمثل الخطر في الوصول إلى السلع التي تهم حياة الناس المعيشية اليومية، هما متصاعدا، ولا سيما بعد أن قررت روسيا أخيرا وقف العمل باتفاقية تصدير الحبوب، التي تم توقيعها العام الماضي. وهذا يعني أن موسكو، لن تسمح لأوكرانيا التي تخوض معها حربا منذ عام ونصف العام بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي كان لعقود يمثل "المعبر" الرئيس للصادرات الغذائية الأوكرانية التي تشمل أيضا الزيت والأسمدة وحتى البذور. والقرار الروسي يتسبب في الواقع بحجز أكثر من 20 مليون طن من الحبوب، التي تعتمد عليها السوق الغذائية العالمية عموما. وهناك دول تستند في وارداتها من هذه المواد الأساسية إلى أوكرانيا فقط.
وبعيدا عن الانتقادات اللازمة التي وجهت لروسيا بسبب قرارها هذا، بما في ذلك تأكيدات أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة بأن "القرار يعني تجويع مئات الملايين حول العالم"، فالمسألة خطيرة بالفعل. فمشكلات سلاسل التوريد بما فيها الغذائية لا تزال موجودة وإن تراجعت كثيرا في الأشهر الماضية.
ومع القرار الروسي، فإن التوريد الغذائي لن يتأثر فحسب، بل سترتفع الأسعار في الوقت الذي يكافح العالم أساسا للسيطرة على الموجة التضخمية العنيفة التي لا تزال موجودة على الساحة منذ أكثر من عامين.
مشكلة الإمدادات الغذائية لا تنحصر فقط في القرار الروسي الأخير، الذي ربما يتغير إذا ما نجحت الدبلوماسية في جهودها الراهنة، بل تشمل الآثار التي يتركها التغير المناخي على الساحة العالمية ككل. فالصيف الحالي كان الأشد حرارة منذ أن بدأت الدول بتسجيل درجات الحرارة المرتفعة، وشهدت مناطق متوسطية سلسلة واسعة من الحرائق، وكذلك الأمر في ساحات أخرى أمريكية وكندية وإفريقية.
كل هذا أسهم في خفض الإمدادات من السلع الغذائية، والحرب الدائرة في أوكرانيا تعد الأخطر بالطبع على توريد الحبوب، ما قد يؤدي بحسب البعض إلى نشوء مجاعة ما عالميا. وهذه النقطة خصوصا، تحمل معها مخاطر نشوب اضطرابات في هذه المنطقة أو تلك. واللافت أن التحذيرات من المجاعة تتميز بشيء أساس، وهي عالميتها، بينما المجاعات التي مر بها البشر في التاريخ كانت في الأغلب تختص في منطقة محددة، أو عدة مناطق فقط. وهذا ما يجعل الأمور أكثر صعوبة. فحتى الدول المتقدمة القادرة على الوصول إلى السلع الغذائية الرئيسة، تواجه نقصا في الإمدادات، لأنها تعاني أزمات تتعلق بالحصاد، فضلا عن موجة الحر العنيفة التي لم تمت الزرع فحسب، بل أدت أيضا إلى الجفاف.
لكن، لا شك أن أكبر المخاطر في الوقت الراهن ليس فقط القرار الروسي الأخير، بل استمرار الحرب في أوكرانيا. فهذه الأخيرة مسؤولة وحدها عن إنتاج 42 في المائة من زيوت دوار الشمس، و16 في المائة من الذرة، إلى جانب 9 في المائة من إنتاج القمح على المستوى الدولي. والأمر أكبر في سلع مشابهة أساسية على الجانب الروسي. وإذا ما استمرت المواقف الراهنة حيال إمدادات الحبوب وزيوت الطعام والأسمدة، فإن المجاعة التي يتم التحذير منها، قد تحدث بالفعل في الوقت الذي يواجه فيه العالم سلسلة من المشكلات على رأسها ارتفاع تكاليف المعيشة على الساحة العالمية ككل. والواضح أن اتفاقية تصدير الحبوب التي وقعت العام الماضي، تمثل الركن الرئيس الآن على صعيد صادرات الحبوب. فقد ضمنت بالفعل على مدى عام تقريبا وصول الإنتاج الأوكراني، مع سلاسة التصدير من البر الروسي أيضا للسلع الغذائية عموما.