المصائف السعودية تقبل التحدي
قبل أعوام لا يمكن أن تقبل المصائف السعودية المقارنة أو التحدي عند الحديث عن المصائف العالمية. وعلى الرغم من توافر الطبيعة الجميلة والجو المعتدل في بعض المناطق، إلا أن المساكن والحدائق وأماكن الترفيه والمطاعم والمقاهي لم تكن متوافرة. وكنا لا نجد في مكان متنزه الردف الشهير والجميل الآن في الطائف إلا صخورا سوداء لا تسر الناظرين، وفي جبال عسير الجميلة لا نجد ما نتقي به من زخات المطر القوية إلا الأشجار، وكم من مرة حملنا طعامنا من على النار قبل أن ينضج واضطررنا للعودة إلى السكن لإتمام الطبخ وتناول الطعام.
هذه الصورة تنطبق على الشمال والشرق والمناطق الوسطى. أما اليوم، فإن المصائف في كل مناطق بلادنا قد جمعت بين جمال الطبيعة والجو المعتدل في فصل من فصول العام، ويضاف إلى ذلك جميع مقومات السكن المناسب والمرافق الخاصة بالطعام والترفيه التي تناسب من يرتاد تلك الأماكن، حسب أعمارهم. وأهم من كل ما سبق الأمن، فلا أحد يعتدي على السائح أو يسلب مجوهراته وساعاته مهما كانت بارزة للمشاهد وكذلك النصب عليه، فالأعين الساهرة يقظة لكل هذه التجاوزات، ويقابل ذلك في مصائف أوروبا التي طالما كنا نشد الرحال إليها في كل صيف، حر لا يطاق وسرقات في عز النهار وأمام أعين الشرطة والحراس.
وبعد ذلك ألا يحق للمصائف السعودية التي فتحت الآن للسياح من حول العالم أن تقبل التحدي والمقارنة بالمصائف العالمية بكل الثقة التي تجعلها تكسب الرهان، وسنسمع شهادات عالمية من المختصين في تقييم المناطق الأكثر شهرة في جذب السياح عالميا، ويبقى بعد ذلك أن تنشط الجهات ذات العلاقة لضبط أسعار ومستوى السكن ومرافق الطعام والترفيه حتى لا يتخذها البعض عذرا للتوجه إلى الخارج أكثر من مرة في العام، وبذلك يخسر الاقتصاد الوطني الذي وضعت الخطط لجعل السياحة أحد مقوماته القوية. ومن تجربتي الشخصية، فإن السياحة الداخلية يمكن أن تكون خلال فصول العام، فرحلة الصيف إلى المناطق المعروفة بجوها المعتدل مثل الطائف وعسير والباحة، إضافة إلى رحلات قصيرة تتم بوساطة السيارة خلال الربيع والشتاء إلى القصيم وحائل والأحساء وغيرها من المدن والمحافظات والشواطئ شرقا وغربا.
أخيرا، مضى الوقت الذي يتفاخر فيه الطلاب الصغار في أول يوم من أيام الدراسة بعد العطلة الصيفية بأنهم قضوا إجازتهم في الخارج، وعلى العكس سيكون الفخر حينما يقضون إجازتهم في الداخل وعلى المدرسين تشجيع ذلك، وأرجو ألا يفهم من مقالي أنني أطالب بعدم السفر إلى الخارج، وإنما أدعو إلى التوازن، رحلة داخلية وأخرى خارجية سنويا لمن يفضل ذلك ويستطيع. ويأتي هذا الاستدراك من باب أن السفر ثقافة نتعرف من خلالها على أماكن تستحق الزيارة على امتداد الكرة الأرضية. وفي بلادنا أيضا مثل هذه الأماكن، بل إن لدينا كنوزا تاريخية لم نتعرف عليها حتى الآن. ولعل علماء التاريخ والآثار يواصلون جهودهم لكشف هذه الأماكن والتعريف بها.