هل سترفع / ترفعين؟

النقاش حول المنافسة بين تطبيقي المحادثة "تويتر" و"ثريدز" ذكرني بمقطع فيديو قديم كان عنوانه " ارفع عينيك" وهو عمل جميل، نشره وغرد به كثيرون آنذاك، ومختصره أن رجلا منكب على هاتفه الذكي في الشارع مرت امرأة بجواره في اللحظة التي رفع بصره عن جهازه، تحادثا، تعارفا، استلطفا، تزوجا بعضهما بعضا، وعاشا في سعادة.
المقطع في النهاية يعيد اللقطة نفسها دون أن يرفع رأسه، فتمر الحسناء دون أن يشعر وتضيع فرصة الحصول على الحب والزوجة وإنشاء الأسرة. يتكرر الحديث عن انكباب الناس على أجهزتهم فيفقدون أشياء كثيرة، لعلي هنا أسميها بتعبيري "حس الحياة الفعلي"، وهذا صحيح نسبيا، لكنه ليس صحيحا على إطلاقه، فهناك بعض من عوالم المعرفة والدهشة في نوافذ الحوار والاتصال التي انفتحت إذا حسن استغلالها وسلم المستخدم من الإدمان.
أغلب السعوديين يفضلون تطبيقات المحادثة الفورية على غيرها، لذا كان اهتمامهم بالزائر الجديد كبيرا ونقاشهم حوله واسعا، وبادر البعض إلى التسجيل فيه، وشخصيا سجلت فيه لكنني توقفت مؤقتا عن تفعيله، إذ إنه لم يكن مستقلا حيث تم ربطه بتطبيق سابق للصور كنت قد خرجت منه فلم يعجبني هذا الربط الإجباري.
تطبيقات التغريد والمحادثة تحتاج إلى المتابعة اليومية وهذا مزعج لمن يتحاشون الإدمان على الأجهزة ويحاولون قدر المستطاع العيش طبيعيا، ويبقى السؤال، ما هو الطبيعي فعلا هذه الأيام؟ أن ننكب تماما على أجهزتنا، أو نتركها كل بضعة أيام ليوم أو يومين، أو نعيد صياغة علاقتنا بها، فنكتفي بحدود معينة، ونغرد كل مساء أو صباح مرة واحدة.
الإشكال الذي سيفطن له المستخدمون أن تفاعلهم مع التطبيق الجديد أو وجودهم فيه للمتابعة سيكون جنبا إلى جنب مع التطبيق القديم، إذ سيصعب تركه وقد قضوا فيه أعواما طويلة، ولهم سجل مليء بالمشاركات أو المعارك أو التسويق بالنسبة إلى المنشآت وبعض الأفراد، وهذا سيزيد انكفاء الرأس وتركيز العينين والبعد أكثر عن الواقع في مقابل مزيد من العيش في الافتراضي.
رفع عينيك مهم وضروري، وهذا يعني التحكم في التطبيقات والمتابعة والمشاركات، إنه يعني بعبارة أخرى الاختيار بين "تويتر" و"ثريدز" في المستقبل، حيث سيكون الجمع بينهما استنزافا للوقت والطاقة وسيؤثر في جودة الحياة.
لا نعرف تحديدا ماذا سيحدث في هذه المنافسة، لكن واحدنا ربما حاول معرفة القدر الذي سيرفع به عينيه كل فترة عن كل هذا ليعود إلى نفسه وملامح حياته الحقيقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي