حلف الناتو يتوسع غربا ويتعاون شرقا

خلال الأسابيع الأخيرة طغى الحديث عن حلف شمال الأطلسي "الناتو" وتشعب لأسباب عدة، أولها المقابلة المطولة التي أجرتها مجلة "الإيكونوميست" البريطانية مع المفكر والسياسي الأمريكي المخضرم الدكتور هنري كيسينجر، بمناسبة احتفاله بعيد ميلاده الـ100، التي تحدث فيها الأخير -ضمن أمور أخرى- عن موقفه من عضوية أوكرانيا في الحلف، وهي العضوية التي رأت فيها موسكو، بمجرد طرحها كمقترح، تهديدا لأمنها ومخططا غربيا أمريكيا أطلسيا لمحاصرتها وإخضاعها، ما تسبب في إطلاق شرارة الحرب الدائرة حاليا بين أوكرانيا والاتحاد الروسي منذ 24 شباط (فبراير) 2022.
بدا كيسينجر في حديثه مؤيدا قويا لمنح أوكرانيا العضوية الكاملة في "الناتو". أما حجته فكانت ما مفاده أن وجود هذا البلد، بتعقيداته الجغرافية والتاريخية وبما يمتلكه من أسلحة وخبرة عسكرية، داخل منظومة الحلف سيجعلها خاضعة لقواعد وسياسات الناتو، وبالتالي يحول دون تهورها أو تصرفها بمفردها، فلا تكون خطرا على نفسها وعلى أوروبا. وهو ما دفع محاوره إلى التعليق قائلا، "إن حجتك لوجود أوكرانيا في (الناتو) هي حجة لتقليل مخاطرها على أوروبا، وليس حجة للدفاع عنها وعن أمنها". ويبدو أن قبول أوكرانيا في "الناتو" معلق الآن إلى حين انتهاء حربها ومشكلاتها مع روسيا، خصوصا أن ألمانيا، العضو القوي في الحلف، لئن كانت موافقة من حيث المبدأ على عضوية أوكرانيا، إلا أن مستشارها أولاف شولتز لا يفضل انضمامها وهي في حالة حرب، ويقاوم ضغوط زملائه من أعضاء البرلمان "البوندستاغ" في هذا الصدد.
من ناحية أخرى، صار "الناتو" أخيرا عنوانا لمانيشتات الصحف الغربية لسبب آخر هو قبول فنلندا كعضو جديد في الحلف في أيار (مايو) 2023، على خلفية شعور هذه الدولة الاسكندنافية المحايدة بالعزلة والتهديد، بعد ما حدث بين أوكرانيا وروسيا. وتزامن هذا مع رفض الحلف منح عضويته لبلد اسكندنافي آخر مجاور لفلنلندا هو السويد.
الجدير بالذكر، في هذا السياق، أن فنلندا تقدمت بطلبها إلى الحلف في آذار (مارس) 2022، فرحب "الناتو" بها في نيسان (أبريل) معلنا أن انضمامها مفيد لها ولأمن دول شمال أوروبا وللحلف ككل، خصوصا أنها تشترك في أطول حدود لدولة غربية مع روسيا "1338 كيلومترا". وفي حفل انضمامها رسميا، قال الرئيس الفنلندي سولي نينيستو، إن عضوية بلاده لن تكتمل دون السويد، فرد أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ، قائلا "أتطلع إلى الترحيب بالسويد في أقرب وقت ممكن"، وهو ما لم يحدث حتى هذه الساعة، لكي يكتمل عقد وجود جميع الدول الاسكندنافية في "الناتو"، "انضمت النرويج والدنمارك وآيسلندا في عام التأسيس 1949"، لأن عضوين من أعضاء الحلف وهما تركيا والمجر يعارضان انضمامها لسببين مختلفين، علما بأن قرارات الناتو"بما فيها ضم الأعضاء الجدد" لا تتخذ إلا بالإجماع طبقا لميثاق الحلف.
فتركيا التي انضمت إلى الحلف مع غريمتها اليونانية في 1952، تعارض قبول السويد لأن الأخيرة صارت -حسب زعمها- مرتعا لأعضاء وأنشطة حزب العمال الكردستاني PKK الذي يهدد أمن تركيا ووحدتها واستقرارها، حيث اشتكى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة من تساهل ستوكهولم مع أنشطة الحزب، وعدم تصديها لمظاهرات أعضائه وأنصاره ضد أنقرة، كما أن خارجيته استدعت مرارا وتكرارا السفير السويدي في أنقرة للشكوى والاحتجاج. أما سبب معارضة المجر، التي انضمت إلى الناتو في 1997، فيكمن في امتعاض رئيسها فيكتور أوربان، من ستوكهولم لأن الأخيرة -طبقا له- لها موقف سيئ وغير منصف من ديمقراطية بلاده البرلمانية وقوانينها، مشيرا في هذا الصدد إلى دعم السويد القوي لتقرير برلماني للاتحاد الأوروبي في 2022 وصف النظام المجري بالنظام الاستبدادي الهجين، ومؤكدا أن تحالفه الحاكم والمهيمن على البرلمان "135 مقعدا من أصل 199" لن يتراجع عن موقفه المعارض.
وإذا ما انتقلنا من الغرب إلى الشرق، نجد أن أخبار "الناتو" تصدرت بعض الصحف الآسيوية أيضا، لكن لسبب مختلف. فصحيفة يابانية واسعة الانتشار مثل "نيكي" كتبت تقريرا حول اعتزام "الناتو" فتح مكاتب اتصال له في اليابان في العام المقبل لتكون مقار للتعاون والتواصل والتخابر والتنسيق بينه وبين اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا. ليس هذا فحسب، وإنما أشار التقرير أيضا إلى قرب اعتزام "الناتو" عقد اتفاقيات ثنائية مع كل دولة من الدول الأربع المذكورة للتعاون في مجالات الأمن والأمن السيبراني والفضاء وغيرها في نطاق منطقة المحيط الهادئ. إلى ذلك ظهرت تكهنات في اليابان حول احتمال انضمام طوكيو رسميا إلى "الناتو"، وأن رئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا، سيحضر قمة الحلف السنوية المقرر عقدها في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس، في 11 و12 تموز (يوليو) المقبل لهذا الغرض، وهو ما نفاه كيشيدا الشهر الماضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي