الإيجارات ترتفع بلا توازن
وجد صدور قرار مجلس الوزراء رقم (131) في تاريخ 3 / 4 / 1435 بشأن إنشاء الشبكة الإلكترونية "إيجار" أصداء واسعة، حيث إن القرار قد نص على أن الهدف من ذلك تيسير إجراء التعاملات الإيجارية وإثباتها لتعزيز الثقة بين أطرافها، وتسجيل الالتزامات المتبادلة بين المؤجرين والمستأجرين والوسطاء العقاريين في قطاع المساكن المعدة للإيجار.
ولتحقيق هذه الأهداف فقد منح القرار وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان آنذاك حق وضع الضوابط اللازمة في هذا الشأن، على أن تنشئ الوزارة سجلا للعملاء الذين أبرمت عقودهم من خلال الشبكة، وتحدد بالتنسيق مع وزارة الداخلية "مركز المعلومات الوطني" البيانات الواجب إدراجها في هذا السجل وكيفية الاستفادة منها، كما ألزمت الوزارة أن تنسق مع البنك المركزي السعودي لوضع الترتيبات اللازمة لتوفير خدمة السداد الإلكتروني، ونص أن ترفع الوزارة عما يواجهها من عقبات تعترض تنفيذ هذه الترتيبات والمقترحات التي تراها مناسبة في هذا الشأن.
لا شك أن هذه النصوص تضع مسؤولية تنظيم السوق العقارية الإيجارية تحت مظلة وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، كما أن القرار قد منح الوزارة ممكنات غير مسبوقة، حتى إن وزارة العدل قد عدت العقود التي تبرم من خلال الشبكة خطيا أو إلكترونيا في حكم العقود الموثقة من حيث الإثبات والتنفيذ، وهذا يتضمن أن العقود غير المسجلة في الشبكة هي عقود غير موثقة ولا تنظر لها المحاكم عند الدعوى.
و"إيجار" تعد شبكة إلكترونية متكاملة تهدف إلى تنظيم قطاع الإيجار العقاري في المملكة العربية السعودية وحفظ حقوق أطراف العملية الإيجارية "المستأجر، المؤجر، الوسيط العقاري"، وتقدم مجموعة من الحلول الإلكترونية التي تسهم في تطوير القطاع وتنظيمه وتيسير أعماله، بما يحقق توازن الأسعار في القطاع وتعزيز الثقة به، ويسهم في تحفيز الاستثمار فيه.
فالهدف إذن هو تحقيق التوازن والموثوقية مع تحفيز الاستثمار في هذا القطاع، وتأييدا لذلك جاءت رؤية الشبكة لتؤكد هذا الدور من خلال رفع كفاءة القطاع، كما نصت الرسالة على تنظيم الإجراءات وتيسيرها، وحفظ حقوق أطراف العملية الإيجارية، وجاء من ضمن أهداف الشبكة ما نصه "تقليل مخاطر الاستثمار في الإيجار العقاري والتحفيز على الاستثمار فيه، لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، بما ينعكس إيجابا على أسعار الوحدات الإيجارية"، كذلك "تقديم خيارات وبدائل إضافية في القطاع العقاري تسهم في دعم برنامج الإسكان".
هذه النصوص كافة تضع أسئلة واسعة بشأن الدور الذي قامت به شبكة إيجار، وهل تحققت هذه الأهداف في الواقع، أم أن الشبكة قد انشغلت بالآلية التقنية للتوثيق فقط دون القيام بما يجب من تحليل ودراسات للقطاع العقاري في جانبه الإيجاري والخلل الذي أصاب التوازن بين العرض والطلب، والأسباب الكامنة خلف زيادة الإيجارات، فقد ارتفع متوسط الإيجار في مدينة الرياض للشقق السكنية من 17 ألف ريال في 2019 إلى أكثر من 19 ألف ريال في 2023 وذلك في منحنى تصاعدي مع تراجع عدد الصفقات من أكثر من 322 ألف صفقة لاستئجار شقة سكنية إلى أقل من 150 ألف صفقة في 2023، وهو ما يشير إلى تناقص المعروض المستمر مع تصاعد الإيجارات بشكل واضح، وهذا عند مستوى الشقق السكنية وعند المتوسط ولكن التشتت بين الأحياء واسع حيث تظهر بعض الأحياء ارتفاعات كبيرة للغاية، كما أن المتوسط مرتبط بعدد أقل من الغرف، حيث تتصاعد القيمة الإيجارية لها كلما زادت عدد الغرف. فالسوق بشكل عام من فلل ووحدات سكنية وتجارية تعاني بعض العشوائية، إذ يرفع مالك العقار أسعار الإيجارات من تلقاء نفسه وبنسب عالية بلا مبرر واضح أو تناسب معقول دون النظر إلى أي اعتبارات منطقية، فإما أن يستجيب المستأجر "مرغما" أو يغادر "مرغما" أيضا، ففي كل الأحوال قد يتعدى ذلك على حقوق المستأجر واستغلال اضطراره البقاء في مسكنه وعدم رغبته في كثرة التنقل، وقد انعكس هذا بجلاء على الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن قد أخذ مسارا صاعدا بارتفاعه سنويا بـ1.1 في المائة خلال حزيران (يونيو) 2022، واستمر في الارتفاع حتى نهاية كانون الثاني (يناير) 2023 مسجلا ارتفاعا بـ7.7 في المائة، وكذلك هذه المؤشرات تدل على أن الإيجارات قد تستمر في هذا الاتجاه المتصاعد، وهو ما قد يؤثر في تكلفة المعيشة بشكل واضح في مقبل الأيام.
ولأن الأولوية من إنشاء "إيجار" تحقيق توازن الأسعار في السوق، كان من الأحرى أن تبادر الشبكة بخطوات تفاعلية سريعة تحد من تسارع ارتفاعات أسعار الإيجارات بأنواعها السكنية والتجارية، وفرض تنظيمات وسقوف محددة لزيادات أسعار العقارات السنوية، حتى إن كانت السوق مفتوحة وهناك مشروعية لزيادات سنوية يفترض أن تقيد بنسب محددة لا يستطيع صاحب العقار تجاوزها.
ولا شك أن المتعاملين ينظرون إلى شبكة "إيجار" بأنها تأخرت كثيرا في احتواء الارتفاعات المبالغ فيها في السوق، خاصة أنه مر على قرار إنشائها نحو عشرة أعوام، ولا سيما أنها المنظم للسوق، والمأمول منها أن تتحرك في تحديد الإيجار السنوي في كل حي سكني وأيضا تحديد أسعار إيجار الوحدات، حتى لا يكون المستهلك ضحية أهواء ملاك عقار في مقابل أن شبكة إيجار تتمتع بقوة نظامية تمكنها من عدم قبول العقود عند تجاوز أسعار معينة أو مؤشرات مقبولة.
وفيما ينتظر المجتمع مثل هذه الخطوات المهمة التي تمثل تفعيلا حقيقيا لأهداف "إيجار"، فإن الوقت يعد عاملا حاسما في كبح أسعار زادت عن حدها، وقد تعود على السوق بمجمله سلبا.
جدير بالذكر أن مجلس الوزراء قد أصدر القرار رقم (405) بشأن دعم المتعثرين من المواطنين غير القادرين على سداد الإيجارات المستحقة عليهم لظروف خارجة عن إرادتهم، وهو من البرامج المهمة التي تقوم عليها شبكة إيجار التي قد تعين المتعثرين ممن صدرت ضدهم أحكام تنفيذ، كما أن البرنامج يمثل قاعدة معلومات مهمة بشأن الأثر الكلي لارتفاع الإيجارات وزيادة أعداد المستحقين لهذا الدعم، ما يتطلب جهودا أكبر من الشبكة لمعالجة السوق العقارية قبل أن تتراكم لديها طلبات الدعم.