ظمأ الروح
تواصلت مع زميل لأبارك له بقدوم مولودته. هنأته وسألته أن ينقل تحياتي لوالده، فقال لي إنه موجود بجواره وأستطيع أن أنقل له مشاعري على الهواء مباشرة دون تأخير أو وساطة.
رحبت بحرارة بمبادرته، وانتقل الهاتف من الابن إلى الأب.
عبرت له عن سعادتي المزدوجة بقدوم حفيدته، وسماعي لصوته.
أبلغته أنني كنت أمني النفس بالتعرف عليه، واليوم تحققت أمنيتي.
لا إراديا انعطف مسار المحادثة. تحول من التهنئة بوصول المولودة الجميلة إلى الحديث عن ابنه.
شكرته على تربيته التي أثمرت عن شاب متدفق في العطاء، ونموذج يحتذى به في الأخلاق.
شاركته عدة مواقف جمعتنا. ذكرته بالفروسية التي ورثها منه نجله.
واستعرضت معه مخرجات المشروعات التي نجحت، إثر إبداع فلذة كبده.
انهمرت كشلال، أسرد القصص الجميلة التي ادخرها في جعبتي تجاه ابنه.
انتهت المكالمة وغمرتني سعادة شاسعة لا حد لها ولا سقف.
أحسست أنني أسديت إلى زميلي مكافأة ولو متأخرة.
شعرت أنني بحاجة ماسة لأن أتواصل مع آباء زملائي، لأقدم لهم جزيل امتناني وتقديري على كل ما زرعوه في أحشاء ذرياتهم، وأينع إبداعا.
اللافت أن هذه المكالمة القصيرة وطدت من علاقتي بزميلي.
رسخت الصداقة، وعززت الود، والبركة في ابنته الغالية "سارة" التي أهدتني بإشراقها على الحياة، فكرة لم يسبق لي أن فكرت بها.
نعتقد جميعا أن خطابات الشكر والمكافآت وحدها ما ينتظره زملاؤنا.
إنها بعض من عدة إجراءات يتطلع إليها رفاقنا.
فأهم ما يترقبه زميلك هو التواصل الفعال، والتشجيع المستمر، واللطف الدائم.
خطوات تخفف من آثار العمل والضغوط، وتمد الموظف بوقود التحفيز.
أعرف تماما أن المديرين مشغولون ومثقلون بالمهام، ولكن هذا النوع من التواصل له إيجابيات ضخمة، تستحق أن نمنحه الوقت الكافي.
ضع أسبوعيا مهمة واحدة فقط؛ أن تتواصل بمكالمة أو رسالة مع آباء زملائك أو أصدقائك.
سيكون لهذا الاتصال نتائج رائعة.
الكلمات أقل الهدايا تكلفة، لكننا بخيلون في إسدائها.
ظمأ الروح لا تخمده جرعة ماء، وإنما كلمات رطبة تتدفق منك، وتسقي الأعماق، فتثمر طاقة هائلة.
الكلمة الطيبة كاللمسة، التي تهدئ الروع، وتبلل القلب.
وتذكر دائما يا صديقي: اغرس الكلمات الحلوة جذرا، ترتفع المحبة جذعا.