مبادرة سيبرانية بتجربة سعودية
عقب الثورة الهائلة في عالم التكنولوجيا وتطور المعاملات الرقمية المختلفة، أصبح الأمن السيبراني أمرا في غاية الأهمية. فكلما تطورت التكنولوجيا وجب أن يتطور ويكون أكثر قدرة على حماية البيانات، وهناك عديد من الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال والحكومات تنفق مليارات الدولارات من أجل التصدي للهجمات والتهديدات الإلكترونية التي تشكل خطرا على الدول والأفراد، وتتطور بوتيرة سريعة.
ومع ارتفاع معدل الهجمات الرقمية ومخاطر اختراق البيانات، كرست المملكة العربية السعودية جهودها لتوفير بيئة آمنة للبيانات والعمليات الرقمية.
وبناء على ذلك، صدر أمر ملكي بإنشاء هيئة باسم "الهيئة الوطنية للأمن السيبراني" في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، وهي الجهة المختصة ومرجع الدولة لحماية أمنها الوطني، مصالحها الحيوية، البنية التحتية الحساسة، توفير خدمات تقنية آمنة وطرق دفاعية لحماية أنظمة المعلومات والاتصالات ضد الهجمات الإلكترونية، والحفاظ على سرية وسلامة المعلومات. وبناء عليه تم وضع دليل خاص بالضوابط الأساسية والسياسات الخاصة بالأمن السيبراني من أجل حماية الشبكات، تعزيز أنظمة تقنية المعلومات، وتعزيز أنظمة التقنيات التشغيلية ومكوناتها.
لقد أدركت السعودية أهمية بناء منظومة متكاملة من الرقمنة وتعزيز قدرات الحكومة الرقمية، وبناء اقتصاد رقمي حديث، وقد كانت حوارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة عن الذكاء الاصطناعي ودوره المستقبلي، وبناء المدن الحديثة وفقا لهذا التصور، وتزامن مع ذلك اهتمام مماثل بالقطاع حتى أصبح النموذج السعودي اليوم نموذجا ناجحا ورائدا دوليا، وأسهم في الوصول إلى المرتبة الثانية عالميا في مؤشر الأمن السيبراني وفق تصنيف الأمم المتحدة، وكذلك في التقرير السنوي للتنافسية العالمية لـ2022.
وفي ظل هذه البيئة المحفزة والداعمة، انطلق المنتدى الدولي للأمن السيبراني في نسخته الأولى 2020، تحت شعار "تضافر الجهود نحو عالم سيبراني أفضل"، وقد كانت انطلاقته، وهو المنتدى الأول مـن نوعه فـي المنطقـة، تزامنا مع رئاسة المملكة لمجموعة العشرين، ليكون جزءا من الجهود الكبيرة التي تبذلها، لتعزيز أمنها، ومواكبة للأهمية المتزايدة لهذا القطاع والتحولات الكبيرة التي يشهدها على المستوى العالمي.
والمنتدى الدولي الذي نظمته الهيئة الوطنية للأمن السيبراني أصبح منصة عالمية تجمع صناع القرار وممثلي الحكومات والشركات وقادة القطاع والأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية لعقد شراكات جديدة وإجراء حوارات هادفة بشأن القضايا الدولية المختصة، والجلسات تتضمن موضوعات في غاية الأهمية وتعد من الموضوعات الاستراتيجية للدول والحكومات في العالم أجمع.
ولا يعد بالإمكان دفع عجلة التطور دون معالجة جادة مبنية على تجارب حية في هذا الشأن سريع التطور. لقد ناقش المنتدى الدولي للأمن السيبراني في نسختيه الأولى والثانية قضايا مهمة مثل الترتيبات السيبرانية العالمية والفرص المتاحة للوصول إلى فضاء سيبراني أكثر استقرارا، كما ركز على التهديدات الراهنة والمستقبلية، وكيفية تسخير التقنيات بوصفها حلولا آمنة، وفي المحور الثالث جاءت موضوعات الاقتصاد السيبراني ومجالات الاستفادة من قوى السوق، والبرامج التحفيزية والحوكمة الاقتصادية، والخطوات الاستباقية التي يمكن للقطاعين العام والخاص اتخاذها لتعزيز الابتكار في هذا المجال.
ولا شك أن هذا الموضوع أصبح من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام، لما لها من ارتباط بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية للأمم، فلا حكومة رقمية دون أمن معلوماتي، ولا اقتصاد رقمي دون الأمن السيبراني، والاقتصاد الرقمي والتحول الرقمي والتقنيات الرقمية وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد أصبحت من الموضوعات التي تشكل أساسا لحوار دولي بين أصحاب المصلحة الساعين إلى تعزيز الثقة وتعظيم الفرص من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأثبتت الجائحة أن الشعوب بحاجة إلى تنمية قدراتها في هذا الجانب المهم جدا، وأنه كان الملاذ الآمن للشعوب التي استطاعت حكومتها بناء شبكة رقمية آمنة. لهذا فإن المنتديات تعد نافذة مهمة لفهم الحالة العالمية الراهنة واستكشاف الخلل وفرص التطور ومعالجة القصور لكنها في الوقت نفسه تتطلب جهودا كبيرة، حتى تصبح أيقونة حضارية ونافذة للمستقبل، وحتى تستطيع استقطاب الأبرز والأفضل في القضايا المطروحة، فلابد لها من استقلال مادي ومعنوي ومالي. لهذا أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمرا ملكيا بإنشاء مؤسسة المنتدى الدولي للأمن السيبراني لتكون مؤسسة ذات شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وغير هادفة إلى الربح، ولها الأهلية الكاملة لتحقيق أهدافها وإدارة شؤونها تحت إشراف مجلس أمناء خاص بها، ويكون مقرها الرئيس في الرياض.
وجاء الأمر الملكي امتدادا لدعم القيادة لموضوعات الأمن السيبراني وكذلك الحوار العالمي الرصين والمستند للدليل العلمي الذي يسعى لحماية الشعوب واستقرارها، كما أن السعودية في هذا العهد الزاهر تعد دولة المبادرات العالمية التي ترسم خطوط واتجاهات الاستثمار والأمن العالمي، من خلال حوار مفتوح وجاد بين الأمم و الشعوب، والأمن السيبراني قضية رأي عالمي والأمن المعلوماتي أصبح ضرورة حياة وتقدم للشعوب، فالأمر الملكي يأتي تأكيدا على ريادة المملكة عالميا في هذا المجال، ودورها في دعم الجهود الدولية، وتوحيد المساعي المشتركة، وفتح آفاق رحبة لنقل المعرفة وتبادل الخبرات، واستكشاف فرص التعاون في هذا القطاع.