الشغف والقيد .. الطموح والفرص

الشغف والقيد .. الطموح والفرص

طلب والد بيل جيتس ذات مرة من ابنه ووارن بافيت كتابة الكلمة التي تفسر نجاحهما. أخبر بافيت لاعب كرة السلة ليبرون جيمس بذلك لاحقا بأن كلا الرجلين اختارا الكلمة نفسها، "التركيز". كتب جيف بنديكت، الذي يروي القصة في سيرته الذاتية الأخيرة عن جيمس، "جيتس الابن اعتقد أن الشيء الذي عكفت عليه بهوس بين سن الـ13 والـ18 عاما هو الشيء الذي تتمتع بفرصة أكبر لتصبح رجلا من الطراز العالمي فيه". للمراهقين جيتس - ومارك زوكربيرج وإيلون ماسك - كان هذا الشيء هو البرمجة. أما لبافيت فهو الاستثمار، وإن كان بدأ فيه قبل عمر الـ13، ففي السابعة، طلب في الكريسماس كتابا عن السندات. أما الشيء الذي عكفت عليه مارثا أرجيريتش فقد كان البيانو من سن الثالثة، وكرة السلة لجيمس.
إن المغزى هنا مألوف، والذي سيحكى إلى ما لا نهاية في احتفالات التخرج هذا الربيع، ابحث عن مهنتك، "تابع شغفك"، وامتطه إلى الشهرة والثروة. بالتأكيد، المسار المهني الذي يتبع للشغف ناجح لبعض الناس. لكن يوجد نوعان من النجاح في الحياة المهنية، والمسار الانتهازي يجزي بموثوقية أكثر. الصناعات ذات الأجور الأعلى - المالية، القانون، التكنولوجيا، الاستشارات - يشغلها في الأغلب "إن لم يكن بالكامل" أشخاص مجتهدون وطموحون ليس لديهم شغف في مهنة محددة.
هناك شيء من الجمال فيمن لديهم شغف. أعز أصدقائي في الطفولة لم يبد قط ذكيا بوجه خاص. لكن عندما كنا نحو الـ18 عاما، أعطاني محاضرة رائعة ومرتجلة آخر الليل عن فيرمير والمزور الفني هان فان ميجيرين، وأدركت، "لحظة، هو يعرف هذه الأشياء." اليوم هو تاجر أعمال فنية. إنها الوظيفة الوحيدة التي شغلها طوال حياته.
الذين لديهم شغف يعرفون ما يريدون فعله، ولا يريدون شغل أي شيء سواه. قد تكون الوظيفة منخفضة الأجر، مثل ممرض أو فيلسوف أو خباز. وقلما يكون لها مسار وظيفي، درست صديقة لي لتصبح عازفة بيانو من الطراز العالمي، لكن لا متسع سوى لعازف بيانو واحد لكل جيل في دولتها، ولم تكن هذا العازف. بدلا من ذلك، أصبحت معلمة بيانو للأطفال، قليل منهم شغوف بالاحتراف. يقضي كثير من الموسيقيين والرياضيين المتفانين حياتهم في تدريب الهواة.
قد يحب الأشخاص ذوو الشغف المال، لكنهم يسعون وراء شيء آخر. بدأ جيرو أونو تدريبه في مهنة طاهي سوشي عندما كان في التاسعة. بعد 30 عاما، افتتح مطعمه في قبو في طوكيو، بمساحة تسع عشرة زبائن فقط، يجلسون على مقاعد حول منضدة خشبية. اليوم، في سن الـ97، أونو هو أكثر طهاة السوشي إثارة للإعجاب في العالم.
الأشخاص ذوو الشغف غير طموحين بغرابة، بمعنى أنهم لا يطمحون إلى الارتقاء في المنظمات. إنهم متخصصون، وعموما يريدون فقط أن يتركوا بمفردهم لتأدية عملهم على مستوى من التميز لا يستطيع معظم الناس رؤيته حتى. إنهم لا يضيعون وقتهم في حروب النفوذ في المنظمة. لا يريدون إدارة الآخرين. ويحاولون ألا يتكيفوا مع التغيرات في سوق العمل. تقول إليزابيث جيلبرت، "قد تنتهي مسيرتي بصفتي كاتبة يوما ما، وقد تنتهي صناعة النشر يوما ما، وقد يقرر الناس أنهم لم يعودوا يهتمون بكتبي، وستنتهي مسيرتي. مهنة شغفي لن تنتهي". على الأقل تمتعت بنجاح مهني. معظم الكتاب لا يحظون به أبدا. إنهم يلتزمون بمهنتهم بغض النظر. أولئك الذين وجدوا شغفهم في الصحافة منا شاهدوا صناعتنا تتقلص. أنا متشبث، ما زلت في الجزيرة، وكأني أرعى على واحدة من أواخر بقع العشب، لكن منسوب المياه يرتفع، ولا أريد خطة بديلة حتى.
على النقيض، الانتهازيون الطموحون لديهم مسار أوضح. في الأغلب يبدأ بشهادة من جامعة تحمل اسما رائدا، متبوعة بمؤهل مهني، لأن الأشخاص بلا شغف يشعرون أنهم قد يستمرون في بذل مجهود على المهم وغيره. السيرة الذاتية الجيدة تجلب عروض العمل من الصناعة المزدهرة حينها. في 1999، عندما كانت تلك الصناعة هي الاستشارات الإدارية، أوضح نيكولاس ليمان في مجلة "نيويوركر"، "لشخص طموح للغاية لكن لم يتشكل له طموح لامتهان أي شيء معين بعد، فالوظيفة الاستشارية تعد البديل المثالي. إنها تجسد توليفة الجدارة العليا الغريبة هذه من حب المنافسة وعقلية القطيع والنفور من المخاطرة".
والأفضل حتى، مثل معظم الناس، ألا تجد مهنة شغف أبدا. هذا يحررك للقفز إلى الصناعة المزدهرة التالية، أو لتسلق السلم وتصبح الرئيس. يمكنك إدارة الأشخاص الذين تابعوا شغفهم "وغالبا ما تحبطهم". لا تتشكل حياتك بهداية النجم الهادي الغريب داخلك، بل بالعروض الجذابة. في المتوسط، ينتهي الأمر بالانتهازيين الطموحين إلى العيش في منازل أكبر من الأشخاص المتابعين لشغفهم. بافيت وجيتس استثناءات. الميزة الوحيدة لمسار متابعة الشغف المهني هي "في بعض الأحيان" حياة مرضية أكثر.

سمات

الأكثر قراءة