Author

ماذا يعني ارتفاع نسبة الشرائح الفتية في المجتمع؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

من أهم ما أظهرته نتائج التعداد السكاني خلال 2022، ارتفاع نسبة الشرائح الشابة والفتية في المجتمع السعودي، حيث وصل إجمالي عدد السكان من سن 29 عاما فما دون إلى أكثر من 11.8 مليون نسمة، أي ما يمثل نحو 62.9 في المائة من إجمالي السكان السعوديين، توزعوا بين أكثر من 6.5 مليون نسمة للشريحة العمرية من سن 14 عاما فما دون "34.8 في المائة من إجمالي السكان السعوديين"، ونحو 5.3 مليون نسمة للشريحة العمرية من 15 إلى 29 عاما "28.1 في المائة من إجمالي السعوديين".
هذا يعني أن المجتمع السعودي مجتمع يتمتع بارتفاع نسبة الشباب، الذين يمثلون القوة البشرية اللازمة لأي مجتمع يطمح إلى مزيد من التقدم والنمو، ويقتضي بدوره ابتكار مزيد من البرامج والمبادرات، إضافة إلى ما تم إنجازه حتى تاريخه، وتتركز تلك البرامج والمبادرات في تطوير مجالات التعليم والتدريب والتأهيل والتوظيف، ويتصاعد أهمية ابتكار وتطوير تلك البرامج والمبادرات، بالنظر إلى كبر تلك الشريحة وثقلها الأكبر بين مختلف شرائح المجتمع، فعلى مستوى التعليم والتدريب في المجتمع بمواجهة أكثر من 6.5 مليون نسمة من سن 14 عاما فما دون، والعدد قابل للزيادة سنويا بمعدل يفوق 411 ألف نسمة كمواليد للأمهات، وتمتد الأهمية إلى برامج التدريب والتأهيل والتوظيف، لمقابلة متطلبات نحو 5.3 مليون نسمة للشريحة العمرية من 15 إلى 29 عاما، الذين يشكل عددهم ضعف إجمالي العمالة المواطنة في الوقت الراهن في القطاع الخاص البالغ 2.2 مليون عامل، مع الإشارة إلى جزء من تلك الشريحة، خاصة الأعلى عمرا فيها، تزيد احتمالات أنه الآن يعمل في سوق العمل.
ولا يقف الحديث عند حدود تطوير تلك البرامج والمبادرات في المجالات المشار إليها أعلاه، بل يمتد إلى دعمها بمزيد من السياسات والبرامج المحفزة لنمو أكبر وأكثر استدامة للقطاع الخاص، كونه الجزء المنتج من الاقتصاد الوطني المستهدف بزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى من 60 في المائة، وكونه أيضا القطاع المستهدف بتوفير مئات الآلاف من الوظائف الجديدة أمام الموارد البشرية المواطنة القادمة عليه سنويا كمخرجات تعليم عام وفني ومهني وعال. وكما أن التحديات الاقتصادية لا تتجزأ، فإن السياسات والبرامج وإن توزعت حسب مجالات نشاطات الاقتصاد والمجتمع لا تتجزأ هي أيضا، بل لا بد أن تتخذ آلية متكاملة يعزز بعضها من بعض، وهو الأمر الذي اتسمت به برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030، وصنعت من خلال هذا التكامل فارقا كبيرا مقارنة بـالبرامج السابقة لها ممثلا في خطط التنمية طوال العقود الخمسة الزمنية الماضية، وما الإشارة إلى هذا الجانب هنا إلا للتأكيد على ارتفاع أهميته حاضرا ومستقبلا، إزاء هذه المؤشرات الجديدة والواضحة حول التركيبة السكانية في المملكة.
سبق الإشارة والتأكيد في مقال سابق، بعنوان "تكامل نمو القطاع الخاص مع تحفيز السياسات"، على أن النمو المطرد لمخرجات التعليم العالي والفني والمهني بمستوياته الراهنة، يؤكد بدرجة كبيرة، أهمية استمرار ما تم من جهود كبيرة طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة من عمر المبادرات والبرامج التي أقرتها رؤية المملكة المباركة 2030، وأنه من الأهمية بمكان العمل المتكامل على توسعها بصورة أكبر أمام النمو المتسارع لحجم مخرجات التعليم، الذي تشير أحد مؤشراته بواقع أرقام الفترة الراهنة، إلى أن ما كانت تقدمه جامعة واحدة من خريجين قبل أكثر من عقدين من الزمن، أصبحت كلية واحدة من تلك الجامعات خلال الفترة الراهنة تقدم كأعداد خريجين أكبر مما كانت تقدمه جامعة بأكملها، وما هذا بحمد الله وفضله ليس إلا إحدى نتائج الجهود التنموية العملاقة للدولة -أيدها الله- على مستوى الارتقاء بحياة الإنسان السعودي، والعمل المستمر على تعزيز إمكاناته وقدراته العلمية والعملية، ويحتل هذا الجانب التنموي الاهتمام الأول لمستهدفات رؤية المملكة 2030، ما يقتضي بدوره ولأهميته أن تتكامل الجهود والسياسات من قبل الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص، وصولا إلى المستويات التي تلبي تلك التطلعات والمستهدفات من جانب، ومن جانب آخر بما يمكن الأطراف كافة من تجاوز أي تحديات أو معوقات محتملة.
بناء على ما تقدم الحديث عنه أعلاه، لا بد من التأكيد مجددا على ما سبق الحديث عنه كثيرا خلال الأعوام الماضية، من ضرورة بذل مزيد من الجهود والعمل المتكامل والمشترك بين القطاعين الحكومي والخاص، بتبني مزيد من السياسات والمبادرات المرحلية المحفزة بدرجة أكبر للقطاع الخاص على وجه الخصوص، وللاقتصاد الوطني بشكل عام، من خلال التركيز الأوسع والأكبر على تحفيز وتنشيط المجالات والنشاطات المنتجة في الهيكل الاقتصادي، ولو أتى ذلك على حساب التضحية بالنشاطات غير الإنتاجية، التي يأتي في مقدمتها بكل تأكيد المضاربات وعمليات تدوير الأموال في الأراضي وما شابهها من أصول أو سلع مختلفة.
تأتي أهمية تبني مثل تلك السياسات والمبادرات التي تستهدف دعم استقرار القطاع الخاص بالدرجة الأولى، بما يؤهله للمحافظة على وجوده وإثبات قدمه في هيكل الاقتصاد الوطني، ولتتوافر لديه القدرة أيضا بالمحافظة على العمالة المواطنة لدى القطاع كهدف استراتيجي وتنموي أول، ثم بالدرجة الثانية أن تسهم تلك السياسات والمبادرات في توفير عديد من خيارات دعم نمو القطاع وتوسع نشاطاته واستثماراته، ورفع مساهمته في تعزيز النمو الاقتصادي بصورة مستدامة، التي سيؤدي تحققها مجتمعة في زيادة وتعزيز قدرة القطاع الخاص على مستوى زيادة معدلات توظيف الموارد البشرية المواطنة، التي جاءت النتائج الأخيرة للتعداد السكاني 2022 لتؤكد من خلال ارتفاع نسب الشرائح الفتية والشابة، الأهمية القصوى التي تحظى بها تلك السياسات والمبادرات المأمول تنفيذها حاضرا ومستقبلا.

إنشرها