ليست الضحية التالية .. الصدمات تختبر روح المرونة الإفريقية

ليست الضحية التالية .. الصدمات تختبر روح المرونة الإفريقية

من الشائع اعتبار الاقتصادات في إفريقيا أكثر عرضة للاضطراب من المناطق الأخرى. تعرضت الموارد المالية للحكومات والشركات والمواطنين الأفراد على حد سواء لضربة قوية جراء الصدمات الخارجية التي اختلفت من كوفيد إلى تضخم الغذاء الناجم عن الحرب في أوكرانيا ومشهد أسعار الفائدة العالمية المتغير. لا يزال الإقراض المصرفي للمؤسسات الإفريقية الصغيرة مكلفا للغاية.
يقدر معهد الدراسات الأمنية أن 30 مليون شخص دخلوا في الفقر المدقع -الذي يعرف بالعيش على أقل من 1.90 دولار في اليوم- نتيجة لجائحة كوفيد. تخلفت زامبيا وغانا عن سداد ديونهما، ما يشير إلى احتمال حدوث مشكلات في المستقبل في بلدان أخرى.
لكن هناك نمطا فكريا آخر مفاده أنه رغم المخاوف، فإن الاقتصادات الإفريقية -بقطاعاتها غير الرسمية الكبيرة وشبكات دعم الأسرة- أكثر مرونة مما يعتقده المتشائمون.
قال دونالد كابيروكا، الرئيس السابق لبنك التنمية الإفريقي، في منتدى نظمته مؤسسة مو إبراهيم في نيروبي الشهر ما قبل الماضي "الفكرة القائلة إنه مع ظهور أي مشكلة في العالم فإن إفريقيا هي الضحية التالية ليست واقعية بالضرورة".
أحد المقاييس الممكنة لهذه المرونة هو نزعتها الريادية وقوائم الشركات سريعة النمو التي لا تزال تنشأ في القارة. يعد التصنيف السنوي إف تي-ستاتيستا لعام 2023 للشركات الإفريقية الأسرع نموا محاولة لعرض بعض هذه الديناميكية.
يحكم التصنيف، وهو في عامه الثاني الآن، على الشركات وفقا لمعدل نموها السنوي المركب في الإيرادات بين 2018 و2021. عادة ما تفضل منهجيته، التي لا تأخذ في الحسبان تكلفة اكتساب العملاء أو ربحية الشركة، الشركات الناشئة على الشركات القائمة.
وتشير نتائج هذا العام إلى أن الشركات في قطاعات مثل التكنولوجيا المالية، والطاقة المتجددة، والرعاية الصحية، والسلع، وإلى حد ما الزراعة، استطاعت النمو، بينما كان معظم العالم متوقفا.
وكما هي الحال في العام الأول للتصنيف، يبدو أن كوفيد قد سرع من التحرك نحو الإنترنت، حيث تحرز جميع الشركات التي تقدم خدمات رقمية في قطاعات التمويل، والمدفوعات، وتيسير التجارة، والرعاية الصحية تقدما.
يبدو أيضا أن هذا كان الوقت الذي اكتشف فيه مستثمرو وادي السيليكون، وكذلك المستثمرون في آسيا وأوروبا، إمكانات في مشهد الشركات الناشئة الإفريقية، ولا سيما في مراكز التكنولوجيا في لاجوس، وكيب تاون، وجوهانسبرج، ونيروبي، والقاهرة.
يقول ستيف بيك، المؤسس المشارك لنوفاستار فنشيرز، شركة رأسمال مغامر مقرها نيروبي "كان كثير من أصدقائي (...) في وادي السيليكون، يشعرون بالخوف من تفويت الفرص تجاه إفريقيا. لذا بدأوا في استثمار الأموال في القارة، والسفر منها وإليها، الأمر الذي رفع التقييمات". ويشير بيك إلى أن الأرقام من منصة بارتيك للاستثمار الرقمي والتكنولوجي في باريس تظهر أن الشركات الإفريقية الناشئة في مجال التكنولوجيا جمعت 5.2 مليار دولار في 2021، أي ثلاثة أضعاف العام السابق.
أدى ذلك إلى رفع التقييمات، وجذب مزيد من رأس المال، رغم وجود دلائل على أن السوق قد تراجعت بشكل كبير هذا العام -وهي فترة لم تتم تغطيتها في التصنيف- جزئيا باعتبارها نتيجة التدافع الكبير لسحب الأموال من "سيليكون فالي بنك".
تتصدر القائمة الأخيرة شركتان نيجيريتان. تحتل "أفيكس كوموديتيز إكستشينج" -شركة مقرها أبوجا تقدم خدمات الوساطة وتمويل تجارة السلع مثل الذرة والسورغم والكاكاو والأرز- المرتبة الأولى، بمعدل نمو سنوي مركب على مدى ثلاثة أعوام يزيد على 500 في المائة.
تأتي مونيبوينت -شركة مقرها لاجوس تقدم خدمات مصرفية للشركات الصغيرة- في المرتبة الثانية. كانت شركة نوفاستار ممولا مبكرا لها.
أما في المرتبة الثالثة فتأتي شركة واسوكو الكينية التي تصدرت القائمة العام السابق. تم إنشاء شركة التجارة الإلكترونية في نيروبي لمساعدة صغار التجار على الوصول إلى المخزون عبر سلاسل توريد أكثر كفاءة في سبعة بلدان إفريقية. وقد افتتحت أخيرا مكتبا في زنجبار يسعى إلى جذب الشركات الناشئة.
وفقا للترتيب الجديد، نحو ثُلث الشركات الإفريقية الأسرع نموا توجد في جنوب إفريقيا، التي ما زالت الاقتصاد الأكثر تطورا في القارة، رغم النمو المنخفض ونقص الطاقة المستمر. تهيمن شركات التعدين والمعادن على القائمة، لكن شركات جنوب إفريقيا الأخرى التي تدخل القائمة تعمل في قطاعات الطاقة المتجددة والبرمجيات والرعاية الصحية.
وكما هي الحال في العام الأول، تبرز الشركات الناشئة بقوة، لكنها لا تحتكر التصنيف. كما يندرج مزيد من الشركات القائمة في قطاع التعدين -مدفوعا إلى حد كبير بالطلب على المعادن اللازمة لانتقال الطاقة- وكذلك في الاتصالات والبناء تحت أفضل 100 شركة. خارج قطاع التعدين، هناك ندرة في المصدرين في القائمة، خاصة مصدري المنتجات ذات القيمة المضافة.
يقول كابيروكا "إن تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لعام 2018 أمر أساسي لتعزيز البيئة للشركات التي تصنع البضائع وتصدرها"، ويشير "الاندماج ليس بالأمر السهل أبدا. اسأل الأوروبيين. لكنه مشكلة يتعين علينا حلها".
من جانبها، تقول هافو توري، مؤسسة شركاء إتش تي إس في أبيدجان، التي تقدم المشورة للشركات الصغيرة والمتوسطة بشأن استراتيجيات النمو، "إن هناك مشكلة كبيرة أخرى تواجه الشركات الناشئة ذات الطموحات الإقليمية وهي الوصول إلى رأس المال".وتضيف "إن المستثمرين الأجانب يشوهون أولويات الاستثمار".
"ليس لدينا حقا رأسمال أولي محلي. عندما تنظر إلى رأس المال القادم إلى الشركات الناشئة، سترى أن الأموال تأتي من الخارج. نحتاج أيضا إلى رأسمال محلي"، كما تقول.
تهيمن قطاعات التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات على التصنيف، لكن من سمات أفضل 100 شركة هي تنوع النشاط. تشمل الشركات الأسرع نموا شركة مصنعة للمشروب الناميبي، وشركة مزرعة أسماك كينية، وشركة من جنوب إفريقيا تجري اختبارات سمع عن بعد، وشركات طاقة متجددة في الكونغو الديمقراطية وسيراليون.
مع ذلك، تشكك أوبري هروبي، المؤسسة المشاركة لشبكة خبراء إفريقيا والمستثمرة في الشركات الإفريقية في المراحل المبكرة، في منهجية القائمة التي يمكن أن تشمل الشركات القائمة الكبرى والشركات الناشئة، حيث يكون النمو السريع من مستويات الإيرادات المنخفضة أكثر سهولة. وتجادل قائلة "لا يمكنك مقارنة شركات التعدين بشركة مونيبوينت"، في إشارة إلى شركة التكنولوجيا المالية النيجيرية.
لكن بشكل مشابه للعام الأول، فإن القائمة -التي تم تجميعها مع شركة ستاتيستا البحثية- هي ممارسة تقريبية دون ادعاء قطعيتها. لكن عملية الفرز، التي تتطلب من كبار المسؤولين التنفيذيين التوقيع على الأرقام المقدمة ينبغي أن تعني أن التصنيف يقدم دليلا مفيدا للشركات والقطاعات التي تتمكن من ممارسة الأعمال في بيئة معقدة وسريعة التغير.

الأكثر قراءة