Author

العقوبات تؤثر لكنها لا تحسم

|

ثمة تساؤلات حيال نجاح العقوبات الغربية التي تعد الأكبر على الإطلاق التي فرضت على موسكو، وهل حققت الأهداف بإيقاف أو هدوء العمليات الروسية في أوكرانيا؟ تمكنت روسيا في العام الثاني للحرب الدائرة في أوكرانيا أن تحافظ على وضعية اقتصادية، حيث استطاعت أن تنجو من العقوبات، بل إنها حققت أعلى فائض في الميزان التجاري لدول العشرين بنحو 291 مليار دولار، خلال 2022.
فمداخل تفادي أو تخفيف هذه العقوبات كثيرة، والعالم لا يقف بالكامل مع التوجهات الغربية حيال الشأن الأوكراني، كما أن هناك دولا محورية عالميا من الناحية الاقتصادية مثل الصين تواصل التعاطي مع روسيا بعيدا عن العقوبات التي لم تتوقف ولن تتوقف. فضلا عن دول "مجموعة البريكس" تضم (روسيا والصين وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل)، التي توفر سندا واضحا لحكومة موسكو، تحت مسميات مختلفة، لكنها تصب في مصلحة روسيا. يضاف إلى ذلك، أن العقوبات (أي عقوبات) لم تحسم في السابق أي مواجهة عسكرية على الإطلاق، كان لا بد من التسويات السياسية في النهاية.
عندما يستمر الاقتصاد الروسي على وضعيته الراهنة وسط الحرب المشار إليها، لا يعني بالطبع أنه في وضعية جيدة. بل هناك مؤشرات وحقائق على الأرض، تؤكد مدى تأثير العقوبات الغربية في الساحة الروسية، بما في ذلك هجرة رؤوس الأموال، وتوقف المشاريع الغربية كلها في هذه الساحة، وارتفاع تكاليف العيش بشكل عام، وصعوبة الوصول إلى النظام المالي العالمي، واهتزاز العملة الوطنية، وتعثر الوصول إلى التكنولوجيا الغربية المساعدة في مختلف القطاعات في البلاد. وأشياء أخرى بدأت تظهر لتؤكد الآثار السلبية الحقيقية الناجمة عن عقوبات يتم تجديدها وإضافة أخرى عليها بين وقت وآخر. لكن في النهاية، تمكن الرئيس الروسي بوتين من توفير الإمدادات العسكرية اللازمة لقوته، ما يعزز الاعتقاد بأن العقوبات فشلت في تقويض جهوده العسكرية.
الاقتصاد الروسي يعاني، إلا أنه يبقى قادرا على التنفس للأسباب سالفة الذكر، إضافة إلى فشل الغرب في ترسيخ دائرة محاصرة هذا الاقتصاد، خصوصا من جانب دول مؤثرة (الصين والهند على الأقل)، وهذه الفجوة في الدائرة ستمنح اقتصاد روسيا مزيدا من الدعم والأكسجين للاستمرار رغم التعثر. الوقت يبقى العنصر الأهم في وصول الغرب إلى مبتغاه في توجيه الضربة للاقتصاد الروسي. وهذه الضربة تعني شيئا واحدا عند الغرب، وهو إضعاف القدرات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والوصول إلى حل ما لهذه الأزمة التي تعد الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.
والمثال الأوضح في هذا الشأن يكمن في العقوبات الغربية الكبيرة المفروضة على إيران منذ أعوام عديدة. صحيح أن وضع الاقتصاد الإيراني أصبح في مأزق بفعل هذه العقوبات، لكن الصحيح أيضا أن ذلك لم يحسم الخلاف بين الطرفين ولم يحد من المواجهة بينهما. الوقت الذي يتطلبه سلاح العقوبات عموما سيكون طويلا جدا، خصوصا مع قدرة موسكو على تجاوز بعض العقوبات المفروضة عليها، بوجود "متعاونين" لأداء دور المساعد في هذا المجال.
وعندما تتوقف قدرة روسيا على الاستمرار (اقتصاديا) في الحرب في أوكرانيا، وقتها يمكن أن يقول مؤيدو العقوبات إنها تعمل. لكن هذا الأمر صعب ولن يكون في المدى القريب. ولعل النقطة الأهم في هذا، أن تتمكن العقوبات قبل أي اهتزاز حقيقي للاقتصاد المحلي من تغيير مواقف الكرملين حيال الشأن الأوكراني، الذي صار الهم الأساسي للدول الغربية كلها، بصرف النظر عن بعض الفروقات السياسية البسيطة بين هذه الدول أو تلك، حيال شكل نهاية الأزمة برمتها.

إنشرها