Author

هل ستظل أسعار الفائدة مرتفعة؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

وصلت معدلات التضخم إلى مستويات عالية في كثير من الدول نتيجة حالة العرض النقدي المفرط التي ضخمتها البنوك المركزية حول العالم من خلال أسعار الفائدة المنخفضة، إضافة إلى مشكلات سلاسل الإمداد والحرب الروسية - الأوكرانية، وكلها مبررات جعلت صناع السياسات الاقتصادية يتخذون قرارات لمحاربة التضخم، من أهمها استخدام السلاح التقليدي من خلال رفع سعر الفائدة، التي لا يمكن التخلي عنها لأن التضخم سيتفاقم وقد يخرج عن السيطرة.
لن يتوقف "الفيدرالي الأمريكي" عن مواصلة رفع سعر الفائدة حتى إن ظهرت أي تصريحات من المسؤولين عن السياسات النقدية تقلل من الآثار المحتملة، وإنما ستكون قاعدة التجاهل المحمود سيدة الموقف التي يكررها صناع السياسات الاقتصادية، وبشكل خاص السياسات النقدية، إذا تطلب الأمر سياسات تشديد قاسية وطولية لحماية الاقتصاد والاستقرار المالي. ومن يعرف كيف تفكر البنوك المركزية سيدرك حزمهم في مواصلة التشديد مهما كلف الأمر، والتفسير الاقتصادي مدرك لتلك القرارات. ببساطة شديدة، حجم الأموال التي تم ضخها في الأسواق يحتاج إلى وقت تطويل من أسعار الفائدة المرتفعة حتى تجفف الفائض النقدي، لكن -مع الأسف- ستبقى ندبات اقتصادية لن تختفي على مستوى الثقة بالأسواق والاستثمار وتوفير فرص عمل. والأمر يصبح أكثر تعقيدا إذا النموذج الاقتصادي غير مستقر، ولا يوجد تيار نقدي في الحساب الجاري الخارجي، أي الميزان التجاري والمدفوعات يولدان أموالا حقيقية من الإنتاج.
وفي السياق نفسه، صندوق النقد يؤكد أنه ينبغي لصانعي السياسات النقدية إبقاء معدلات سعر الفائدة مرتفعة لفترات طويلة من الزمن، وهو يشير بذلك إلى حالة التضخم التي لا تزال تسيطر على كثير من الاقتصادات بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي الذي بدوره صدر التضخم تزامنا مع الاقتصاد الأوروبي، عندما تهاونوا في التسهيل الكمي وتأخروا في سحب تلك الأموال الفائضة عن الحاجة. ولاحظنا خلال الأيام الماضية دعوة أعضاء سابقين في لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا، من أنه ستكون هناك حاجة إلى رفع معدلات الفائدة إلى 6 في المائة.
هذا الأسبوع لا نزال نراقب قرار الاقتصاد الأمريكي حول سداد الديون أو التخلف عن السداد، لكن المخاطر ستكون أكثر قسوة إذا ما تخلف عن السداد، ومن ضمنها التضخم، وما ينتج عنه من تحديات جديدة تتعلق بالتصنيف الائتماني والاستثماري للاقتصاد الأمريكي.
في الختام، العودة إلى الأسس من الأساليب التي تجعلنا نتوقع بشكل منطقي في ظل المتغيرات الكثيرة التي يصعب حصرها عند التفكير في المدة الزمنية لبقاء سعر الفائدة مرتفعا، لن يختفي التضخم حتى تخرج كل الأموال الفائضة وفي الوقت نفسه، تتحسن الندبات الاقتصادية من جراء تلك الأموال، وعودة الاقتصاد إلى الإنتاج الحقيقي، لذا ستظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترات طويلة، لأن التضخم إن عاد بقوة حاليا سيكون فعليا خارجا عن منطقة السيطرة، وقد لا تستطيع السياسات النقدية التقليدية السيطرة عليه.

إنشرها