Author

المخاطر التشغيلية .. مدخل أكيد إلى الفشل

|

قد تعقد الشركة صفقة ناجحة، تزيد من مبيعاتها، تتوسع جغرافيا، ترتفع مبيعاتها، ومع ذلك قد تسقط تشغيليا. تتعرض كل منشأة إلى هذا الخطر الذي قد يحدث بطرق مختلفة، ويظل موجودا حتى مع جودة نموذج العمل وقوة الفريق وارتفاع الإنتاجية. إذا نظرنا إلى هذا التحدي من زاوية إدارة المخاطر، نجده يطلق عليه "المخاطر التشغيلية"، ويقصد بها كل ما قد يؤدي إلى الخسائر عن طرق فشل أو ضعف الإجراءات والأنظمة والأعمال الخاصة بالشركة. وأقرب مثال يوضحها الخطأ الذي يحدث أثناء التشغيل فيتأثر به العميل ليحصل على منتج سيئ يجعل الشركة تخسر هذا العميل. العيوب المصنعية مثال جيد، وثغرات الأمن السيبراني كذلك، وحوادث العمل أيضا، والقائمة تطول.
تكمن مشكلة هذا النوع من المخاطر أنها تحصل على سوء التقدير بشكل مستمر، هناك من يقلل من أثرها، وهناك من يفشل في توقعها، وهناك من يجيد إخفاءها، أو يتجاهلها بعلم أو دون علم. ضعف إدارة المخاطر التشغيلية له نوعان من الأثر، الأول أثر مباشر يتمثل في الخسارة المباشرة للعميل أو للبيع أو تكبد تكاليف غير محسوبة. ومن أمثلة ذلك العيوب المصنعية، السيارة التي تكثر فيها العيوب المصنعية قد تنخفض مبيعاتها فتتكبد الشركة خسائر كبرى لهذا الصنف، وتتكبد أيضا الشركة خسارة إضافية بسبب تكاليف الصيانة والمعالجة، وفي بعض الحالات قد يمتد الأثر إلى التكاليف القضائية والتعويضية إذا تسبب هذا الخلل في ضرر على الأموال والأنفس. ولربما تسببت ثغرة في الأمن السيبراني في مصرف مالي إلى انتقال أموال المودعين إلى مصارف منافسة، فيخسر الأول حصته السوقية ويصعب عليه التعويض.
هناك أثر غير مباشر للمخاطر التشغيلية، فهي تبطئ من تنامي الوعي المؤسسي والمعرفة المتبادلة داخل وحدات العمل، ما يضعف من أنظمة المحاسبة والمكافأة ويحد من كفاءة التواصل ويؤثر سلبا في ثقافة المنشأة. دون تعامل جيد مع هذا النوع من الخطر تفتح أبواب الاتهامات بين الموظفين، ويفقد منحنى التعلم قدرته على الارتفاع، وتضعف بيئة التعلم من الأخطاء. الخطأ في مثل هذه الأماكن محرج جدا، وإخفاؤه أسلم للجميع! تجر أيضا الأخطاء التشغيلية والعيوب المصنعية وتعثر الإجراءات على المدى الطويل عددا كبيرا من الآثار الأخرى، مثل الإضرار بالسمعة، وفقدان المتميزين من أصحاب المهارات، وربما التعرض للمخالفات النظامية.
وجود الشركة في وضع مالي جيد لا يجعلها في حرز من المخاطر التشغيلية. المخاطر التشغيلية أمر طبيعي، لا يمكن إلغاؤه أو إنهاؤه بالكامل، كل ما كبر حجم الشركة وتنوعت وكثرت أعمالها، زادت عملياتها التشغيلية، ومع هذه الزيادة تزيد الفرص التي تصنع هذه المخاطر. الأخطاء البشرية واردة الحدوث، وفشل الأنظمة غير مستبعد، وعدم توافق التصميم الجيد لإجراءات العمل مع متطلبات الواقع أمر يحدث في كل مكان وزمان، وحتى في وجود التصميم الجيد فتطبيق الإجراء يتعرض لظروف مختلفة تجعله متفاوت الطريقة والنتيجة. أحيانا تؤثر الظروف الخارجية في المخاطر التشغيلية، قد تختلف جودة المواد الخام في العملية التصنيعية، وقد تؤثر حرارة الأجواء في المنتجات المخزنة، وقد يضطرب أحد شركاء العمل ويفقد العمل تناغمه.
لهذه الأسباب يأتي خبراء المخاطر بأساليب واضحة ومعلومة لإدارة هذا النوع من المخاطر، وهي لا تختلف عن خطواتهم في إدارة معظم أنواع المخاطر. يبدأون عادة بالتقييم الجيد لطبيعة المخاطر التشغيلية الخاصة بهذا العمل واحتمالية حدوثها وحجم تأثيرها. فالمخاطر التشغيلية في محطة وقود تختلف عن مصنع للمواد الغذائية وتختلف في مستشفى عن شركة تقدم خدمة الصيانة أو النظافة. وبعد ذلك يقومون بدراسة الضوابط والأدوات الداخلية التي يتم تفادي الوقوع في هذه المخاطر عن طريقها، وتساعد على اكتشافها في وقت مبكر، وربما تقلل من أثرها حتى في حالة حدوثها. مثل دراسة أسباب خلل التصنيع وأعداد الرجيع في مصنع للمنتجات البلاستيكية، أو آلية اكتشاف التسربات وطريقة معالجتها في منشأة تتعامل مع الغازات السامة.
لا يمكن الاعتماد بالكامل على وجود قسم لإدارة المخاطر ـ إن وجد ـ فإدارة المخاطر جزء أساسي من العملية الإدارية الكلية في المنشأة. كل موظف لديه واجبات أساسية لإدارة المخاطر المرتبطة بعمله. تبدأ هذه الواجبات عادة من الفهم الجيد لما يحدث في العمل من طبيعة الأخطاء والتفاوتات والتقلبات واردة الحدوث إلى إمكانية حدوثها وأثرها المحتمل. حتى المديرون المتخصصون والقادة التنفيذيون عليهم جزء كبير من إدارة هذه المخاطر.
قد تكون إحدى أكبر الخسائر الناتجة عن سوء إدارة المخاطر التشغيلية ما حدث لشركة إنرون في 2001 على أثر التسرب النفطي في خليج المكسيك، وحتى الأزمة المالية العالمية في 2008 كانت شراراتها سقوط بنك ليمان براذرز جراء حوادث تشغيلية ممنهجة، وفضيحة شركة تارجت الأمريكية في 2013 بسبب تسرب بيانات العملاء المالية إثر ثغرة في أنظمة الشركة. ستسمع باستمرار عن حوادث تشغيلية تطيح ببعض الشركات الكبرى، وهناك شركات أكثر لا تدير مخاطرها التشغيلية باقتدار وما زالت تخفي مشكلاتها بالنسيان والغطاء الربحي الهش، والقليل جدا جدا من يقيس ويفهم ويدير مخاطره التشغيل باقتدار.

إنشرها