FINANCIAL TIMES

ثورة البيانات تجعل من الصعب إخفاء الحقيقة

ثورة البيانات تجعل من الصعب إخفاء الحقيقة

وجود معلومات أفضل يعني اتخاذ قرارات أفضل: تلك النظرية التي تجعل ظهور تعلم الآلة والتكنولوجيا الجديدة واتخاذ القرارات الخوارزمي مثيرا لصانعي السياسات والشركات الخاصة.
أحد أجزاء تلك الثورة الذي يعد مثيرا لوزراء المملكة المتحدة ومسؤوليها على وجه الخصوص هو برنامج فاوندري من شركة بالانتير. المتعة في "فاوندري"، من وجهة نظر الحكومة البريطانية، هي قدرته على فهم التجارب والتوقعات والوصول إليها ومراقبتها وإجرائها باستخدام أنظمة تشغيل وأساليب جمع بيانات مختلفة. في وقت مبكر من جائحة كوفيد - 19 ثبت أن النظام الذي طور أساسا ليسمح بتدفق المعلومات بسلاسة من الوكلاء، كان شبه مثالي لسماحه للحكومة البريطانية بمراقبة ما كان يحدث في بيئة هيئة الخدمات الصحية الوطنية المعقدة وممارسات الأطباء العامين.
يصف الموظفون المدنيون استخدام "فاوندري" في مراقبة تقدم كوفيد - 19 بأنه أحد الأمور القليلة التي فعلتها المملكة المتحدة استجابة للجائحة، التي عملت كما أعلن عنها. يأمل كثيرون في الحكومة الآن أن ينجح البرنامج في فعل الأمر الذي فشلوا في فعله سابقا: دمج مصادر بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية لفهم كيفية إدارة العلاجات وتحسين رعاية المرضى بشكل أفضل.
لكن الحصول على بيانات أفضل له تكلفة. فهو يجعل من الصعب على الحكومات، أو الأفراد الانخراط في تخيلات عن كيفية عمل الخدمات حقا. مثلا، تعد لوحة بيانات السجون التابعة لحكومة المملكة المتحدة انتصارا للشفافية، لكنها تكشف أن نظام سجون بريطانيا سيئ للغاية بشكل عام في إعادة تأهيل السجناء فعلا.
تعد هيئة الخدمات الصحية الوطنية أكثر شهرة من أغلب الأنظمة النظيرة بغض النظر عن حقيقة أنها تقدم نتائج مشابهة لها بشكل عام بمبالغ مشابهة من المال. أحد أسباب ذلك هو أن مختلف الأمور السيئة التي ينبغي لنظام الرعاية الصحية فعلها -اتخاذ قرار من سيعالج أولا وأنواع العلاجات التي تقدم- تبقى مخفية عن الأنظار عن طريق نموذج الخدمة الصحية. الرؤية الأفضل على مستوى النظام بشأن كيفية اختلاف نتائج العلاج والانتظار بين الأشخاص ذوي صعوبات التعلم، أو من ينتمون إلى أقليات عرقية مختلفة مهمة لتحسين كيفية عمل النظام. لكنها تجعل الدول أو الحكومات تبدو بشكل أفضل إذا أخفيت هذه الحقائق عن الأنظار.
ذلك هو السبب بالتأكيد، حتى مع زيادة الدولة البريطانية عدد العقود الممنوحة لـ"بالانتير"، إنها تبطئ قدرة الشعب على أن يرى بنفسه البرنامج يعمل. ساعدت البيانات التي جمعها "فاوندري" على بناء لوحة بيانات كوفيد - 19 للحكومة، ما جعل معظم ما كان يجري في المشافي البريطانية متاحا للجميع عبر الإنترنت. استفادت حكومة المملكة المتحدة منذئذ من "بالانتير" لإدارة نظامها الأساسي لإطلاق اللقاح والقدرات المهمة. لكن لوحة البيانات الأساسية تواجه خطر أن تصبح قطعة أثرية تاريخية، على الرغم من أنها قد تصبح أداة صالحة لجميع الاستخدامات لمراقبة أداء البنية التحتية للرعاية الصحية في المملكة المتحدة ككل.
يعد استخدام "فاوندري" ولوحة بيانات كوفيد - 19 مثالين جيدين لكيفية دفع اليأس الحكومات إلى الابتكار. في الأوقات الطبيعية، كانت الحكومة البريطانية ستكون أكثر ترددا في التغلب على المقاومة الشعبية لتسمح لشركة أمريكية، وبالأخص شركة لديها علاقات وطيدة بوكالات الاستخبارات، بالدخول إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية. ولم تكن، في الأوقات الطبيعية، ستفعل شيئا يصل إلى شفافية استخدام أدوات الشركة لبناء لوحة بيانات متاحة للعامة تقيس فاعلية الدولة في محاربة المرض الجديد.
الآن مع انتهاء المرحلة الخطرة من الجائحة، قررت الحكومة أن فوائد مشاركة البيانات ووضع النماذج الأفضل قد أعجبتها، لكن لم تعجبها فرص التدقيق الأكثر التي تأتي مع إتاحة المعلومات للآخرين.
إن السياسيين على حق في اعتقادهم أن زيادة شفافية البيانات ستعني الاضطرار إلى التعامل مع أسئلة محرجة. مثلا، إن لم يكن من الواضح أن المملكة المتحدة تنجح في إعادة تأهيل معظم الأشخاص الذين تسجنهم بشكل فعال، فإن ذلك يثير أسئلة غير مريحة عما نأمل تحقيقه بالضبط بأحكام السجن القصيرة. وقد تجد هيئة الخدمات الصحية الوطنية صعوبة في الانخراط في التقنين الخفي الذي مارسته الخدمة في الماضي إذا كانت أكثر شفافية. لكن الحقيقة هي أنك لا تحتاج إلى أن تكون الحكومة شفافة لتعلم أن الرعاية الصحية في بريطانيا في حالة سيئة أو أن كثيرا من المجال العام في حالة سيئة.
حول العالم، ستجعل ثورة البيانات من الصعب على الحكومات إخفاء الحقيقة عن كيفية عمل الخدمات التي تقدمها. لكنها ستكون أفضل حالا إذا أصبحت من المدافعين المتحمسين عن فوائد الشفافية ومشاركة ثمار المعلومات الأفضل مع المصوتين بدلا من تكديسها للطبقة السياسية وحدها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES