default Author

آراء متباينة في السياسة النقدية «2 من 3»

|

للحديث عن سياسة حوكمة البنك المركزي، فإنه رغم ذلك، لا تساعد ممارسات الحوكمة في عديد من البنوك المركزية على تعزيز تنوع الآراء بين أعضاء لجنة السياسة النقدية، ففي عامة الأحوال، يكون رئيس لجنة السياسة النقدية هو الرئيس التنفيذي للبنك المركزي، والذي نشير إليه فيما يلي باسم "المحافظ". ويضطلع الرئيس بدور بالغ الأهمية في توفير المعلومات للجنة وإعداد جداول أعمال اجتماعاتها. وفي عديد من البنوك المركزية، يسهم المحافظ بدور رئيس أيضا في البت في تعيين أعضاء لجنة السياسة النقدية الآخرين.
وربما يميل أعضاء لجنة السياسة النقدية الداخليون، بمن في ذلك نواب المحافظين وغيرهم من موظفي البنك المركزي، إلى الانصياع لآراء المحافظ، خاصة إن كان المحافظ مسؤولا عن تقييم أدائهم وتقرير فرصهم في الترقي.
وأعضاء لجنة السياسة النقدية الداخليون قد لا يكون لهم سوى تأثير هامشي في قرارات السياسة، خاصة إن كانوا غير متفرغين و/أو يتعذر عليهم الحصول على تحليلات داخلية كافية والاستفادة من خبرات الموظفين الذين يخضعون لتوجيهات المحافظ. ويتكون مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي من سبعة أعضاء متفرغين "بمن في ذلك الرئيس ونائبا الرئيس". ومع ذلك لم يعترض أي عضو من أعضاء مجلس المحافظين على أي قرار للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة منذ 2005.
ولا تتسق هذه الترتيبات مع الممارسات الفضلى في مجال الإدارة التنظيمية. ففي القطاع العام، على وجه العموم، تحدد المسائل التنظيمية المعقدة من قبل هيئة مستقلة ينهض مجلس إدارتها بمسؤولية تحديد سياساتها وإجراءاتها، ويرفع كبار المسؤولين التنفيذيين في هذه الهيئات تقاريرهم إلى مجلس الإدارة بالكامل، وليس فقط إلى رئيس المجلس. فعلى سبيل المثال، يشرف المجلس التنفيذي لهيئة التنظيم الاحترازي الأسترالية بشكل مباشر على جميع موظفيها الرسميين ورؤساء الأقسام. وبالمثل، ففي النظام القضائي تضطلع بالبت في القضايا القانونية الأكثر تعقيدا وأهمية، محكمة عليا تضم قضاة مرموقين متساوين في المكانة، يتولى أحدهم منصب رئيس القضاة. وفي القطاع الخاص، تتحمل مجالس إدارات الشركات المساهمة المدرجة للاكتتاب العام المسؤولية الاستئمانية عن تحديد أهدافها الاستراتيجية والإشراف على قيام الإدارة بتنفيذ تلك الأهداف، ولا يشغل رئيس مجلس الإدارة في العادة منصب الرئيس التنفيذي للشركة. وفي واقع الأمر، تتبع الآن ممارسات الحوكمة تلك في معظم الشركات المدرجة في أستراليا وكندا والمملكة المتحدة.
وبشأن طرح الإصلاحات المقترحة فتتطلب عملية اختيار أعضاء لجنة السياسة النقدية ضمان أن تكون اللجنة مشكلة من مجموعة متنوعة من الخبراء. وينبغي أن يشمل هذا التنوع الخصائص الديموغرافية "ومنها نوع الجنس والانتماء العرقي والإثني"، إضافة إلى الخلفية التعليمية والخبرة المهنية. وعلاوة على ذلك، يجب أن يغطي تشكيل لجنة السياسة النقدية المناطق الجغرافية المميزة في الاقتصاد، لا أن يعكس منظور مركزها المالي الأساسي فحسب. ويضم مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي رؤساء البنوك المركزية الوطنية، ويتم تعيين كل رئيس من جانب المسؤولين الحكوميين في بلده. في المقابل، تتألف لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا في الغالب من قدامى المقيمين في منطقة لندن الحضرية، إضافة إلى عدد قليل نسبيا من الأعضاء من مناطق أخرى في المملكة المتحدة.
وينبغي أن يكون كل أعضاء لجنة السياسة النقدية متفرغين، فمن غير المعقول عمليا أن يقوم قاض في محكمة عليا أو أحد المنظمين الماليين الرئيسين بتأدية هذا الدور لبعض الوقت، بينما يزاول نشاطا مهنيا آخر في الوقت ذاته. وبالمثل، فإن تفرغ أعضاء لجنة السياسة النقدية ضروري أيضا في ضوء أهمية صنع السياسة النقدية وما ينطوي عليه من تعقيدات، ولكونه يعزز كثيرا من قدرة اللجنة على التحرك بصورة فورية وحاسمة في مواجهة الظروف المتطورة بسرعة... يتبع.

إنشرها