Author

«الإكراه الاقتصادي» .. عنوان مواجهة

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"الصين تمثل أكبر تحد للأمن الدولي"
ريشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا
تستحق قمة مجموعة الدول السبع الكبرى التي عقدت في هيروشيما اليابانية، توصيف "قمة الحذر من الصين". فرغم كل القضايا التي ناقشتها، وعلى رأسها الحرب الدائرة في أوكرانيا، وعدد من المسائل الملحة الأخرى، إلا أن الموضوع الصيني بقي في المقدمة، وسيبقى لفترة طويلة في المستقبل، طالما أن التفاهمات بين دول المجموعة وبكين لم تصل إلى المستويات التي يمكن الانطلاق منها نحو التهدئة في الصراع التجاري الراهن، وبالطبع المواجهة الجيوسياسية الدائمة. ولا يمكن لأي مراقب أن يغفل عن المخاوف الغربية المتصاعدة من الحراك الصيني النشط سياسيا واقتصاديا، ولا سيما في ظل تراجع واضح للحراك الأمريكي على الساحة الدولية، وتحديدا في المناطق التي تتطلب موقفا محددا سريعا. والحق، أن زخم "الوحدة" بين دول "مجموعة السبع"، التي يشير إليها قادة المجموعة في كل المناسبات، لم يعد بقوة ما كان قبل عقد. ولولا الحرب في أوكرانيا التي أعادت تجميع القوى الغربية، لكان هذا الزخم أقل.
اللافت في قمة هيروشيما، أنها استحدثت تعبيرا سياسيا اقتصاديا، يبدو أنه سيكون سائدا على الساحة لفترة طويلة، إلا إذا توصلت الأطراف المعنية إلى تفاهمات تبدو ضرورية للعالم الآن أكثر من أي وقت مضى. فضلت "مجموعة السبع" تعبير "الإكراه الاقتصادي" للانطلاق نحو تشكيل ما يمكن عده مسارا جديدا في المواجهة مع بكين. ويبدو أن هذا المسار سيظل حاضرا لفترة لن تكون قصيرة، ولا سيما مع إصرار بكين على أن الجانب الغربي هو الذي يمثل تحديا للأمن العالمي عموما. و"الإكراه الاقتصادي" يستند من وجهة نظر قادة الغرب عموما، إلى اتهامات مباشرة للصين بأنها تستخدم نوعا من التدابير التجارية لإكراه دول بعينها "مثل أستراليا وليتوانيا وغيرهما" بخصوص الخلافات السياسية. وإذا ما نظرنا إلى هذا "الاتهام" فغالبا ما تستخدم الدول الجانب الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية ما.
غير أن الحكومة الصينية ترى العكس تماما، فقد هاجمت رسميا ما سمته "لغة مجموعة السبع"، لتؤكد أن الولايات المتحدة نفسها هي التي تحرض على الدبلوماسية القسرية. الاتهامات المتبادلة متوقعة بالطبع، لكن إلى أي مدى يمكن أن تمضي المواجهة على صعيد "الإكراه الاقتصادي" بين أكبر الاقتصادات على مستوى العالم. فـ"مجموعة السبع" تسيطر عمليا على أكثر من ثلث الاقتصاد الدولي، في حين أن الصين تحتل المركز الثاني في قائمة أكبر الاقتصادات. وهذا يؤكد مجددا أن أي مواجهة جديدة، وأي مواجهة متجددة بين الأطراف المشار إليها ستنعكس سلبا بالتأكيد على الحراك الاقتصادي العالمي، خصوصا في ظل المصاعب التي يمر بها، والتي يبدو واضحا أنها مستمرة إلى ما بعد منتصف العقد الحالي.
واللافت أيضا أن لغة قادة "مجموعة السبع"، صارت أكثر حدة في الآونة الأخيرة، بعدما أضاف الموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا مزيدا من الضباب على علاقات بكين مع الغرب عموما. فتوصيف "تسليح" التجارة وسلاسل التوريد يتسم بشيء من العنف اللغوي. وهذا ما يؤكد أن الصين تملك بالفعل أدوات ضاغطة من جهة سلاسل التوريد والمواد التي تستخدم في الصناعات الغربية المتطورة. فالمسألة لا تخص تأثيرات صينية سياسية على بعض الدول على أساس اقتصادي، بل تشمل أيضا الإمدادات التي يحتاج إليها الحراك الصناعي. لكن الصين أيضا تبقى متضررة من التوجهات الغربية المتجددة. فالدول الصناعية الكبرى تعتقد بأن هناك مخاطر قديمة ومتصاعدة من جراء صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين. وهذه المخاطر تهدد ماذا؟ الأمن القومي.
نحن أمام شكل آخر من المواجهة بين الغرب والدولة الصينية، فبكين تمضي قدما في مسارها السياسي الاقتصادي، رغم كل التهديدات الآتية من جهة الغرب، بما في ذلك الوعيد العلني بأنها ستواجه عواقب إذا ما "استمرت في تسليح التجارة وسلاسل التوريد". فالمنصة الغربية بدأت تتشكل في هذا المجال، دون أن ننسى بالطبع أن للصين أدواتها في هذه المواجهة، بصرف النظر عن طبيعتها. إنها مرحلة متوترة بدأ العالم يشهد ملامحها، مع غياب أي أمل "على الأقل في الوقت الراهن" لتفاهمات بين أطراف المواجهة. فكل طرف لديه ما يضغط به، وكل جهة يمكنها أن تحدث إرباكا للجهة الأخرى. ولا شك في أن ذلك سيؤثر سلبا في مسار الاقتصاد العالمي ككل.
هذه المنصة التي تم الاتفاق عليها لمواجهة ما سماه قادة "مجموعة السبع" بوضوح "الاستخدام المتزايد والخبيث للإجراءات الاقتصادية القسرية للتدخل في الشؤون السيادية للدول الأخرى"، دفعت الصين بالفعل إلى فتح باب مشابه على جهة الغرب. فالتدخلات السياسية ليست حكرا على دولة كبرى دون غيرها. وهناك كثير من الاتهامات والاتهامات المضادة في هذا المجال بين أكثر الجهات تأثيرا في الساحة الدولية، ولا يمكن الوصول إلى نهاية لهذه المواجهات المتصاعدة، من غير تأسيس "منصة" تفاهمات تأخذ في الحسبان مكانة كل طرف معني مباشرة، وتضع المصلحة الدولية في المقدمة، التي تصب أيضا في مصلحة الأطراف كلها.

إنشرها