default Author

ما وراء الوقت

|

حياتنا مرتبطة بالوقت بتلك الدقائق والثواني التي تمر بثبات ولكن شعورنا بها قد يجعلها تمر سريعة وسعيدة أو بطيئة قاتلة، فما الذي يغير إحساسنا بالوقت؟ حاول العلماء الإجابة عن هذا السؤال بمراقبة حياة عديد من البشر أو من خلال حيوانات التجارب، ولكن كان من بين أغرب تلك التجارب العيش في كهف تحت الأرض على عمق 70 مترا ولمدة 500 يوم في سابقة فريدة من نوعها، قامت بها الرياضية الإسبانية بياتريس فلاميني، أي عام ونصف بلا بشر ولا وسائل اتصال أو ترفيه!
ومن خلال هذه التجربة المميزة اتضح للعلماء مدى مرونة الوقت، وكيف يرتبط بسمات الشخص، وسمات الأشخاص من حوله، وليس بصوت عقارب الساعة فقط!
تقول فلاميني، فقدت إحساسي بالوقت، لقد كان مرور الوقت سريعا لدرجة أنه عندما جاء فريق الدعم لإنقاذي، فوجئت بأن وقتي هنا قد انتهى، وكنت أظن أني أمضيت 160 أو 170 يوما فقط. من تجربتها تأكد العلماء من قوة تأثير أفعالنا وعواطفنا في الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا مرور الوقت. فنحن نعرف أن الوقت قد مر بتعاقب الليل والنهار، ولكن عندما يكون الشخص في كهف مظلم تحت الأرض من دون أحد، ستختفي عديد من الإشارات الدالة على مرور الوقت، لذلك اعتمدت فلاميني طرائق نفسية لمراقبة الوقت، ومنها استخدام ذاكرتها، فكلما زاد عدد الذكريات، كان مقدار الوقت أطول، وبما أنها في عزلة تامة وليس لديها أي معلومة عن العالم الخارجي لا أسريا ولا اجتماعيا أو سياسيا، ما قلل من عدد الذكريات التي كونتها في أثناء عزلتها.
نخشى دائما من ضياع الوقت ونعيش حالة من الإجهاد الزمني، لأننا نعد الساعة مقياسا لمدى إنتاجيتنا ونجاحنا، وبفقدان الوقت في حياة الكهوف قلت أهميته لذلك، ورغم صعوبة الحياة فترة كورونا وانقلابها رأسا على عقب إلا أنها لا تخلو من الفوائد. ففلاميني في عزلتها ليس لديها أي عمل تقوم به أو مواعيد تلتحق بها ولا واجبات اجتماعية ومع ذلك تمكنت من إدارة حياتها، فكانت تأكل وتنام وتقرأ كما تحب، وشغلت نفسها بالرسم وممارسة التمارين وتوثيق تجربتها، ما جعل الوقت يمر دون أن تشعر، لقد نسيت الوقت تماما وركزت على تحقيق هدفها بإتمام مدة عزلتها. وحالتها عكس المنعزلين رغما عنهم كالسجناء والمرضى والأسرى الذين يقتلهم الوقت الذي يمر ببطء، فالوقت يمر سريعا عندما لا نفكر فيه!

إنشرها