Author

نحو هيئة خبراء متنوعة التخصصات

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

لا توجد هيئة خبراء متنوعة التخصصات في الدراسات وتقديم المشورة. في الأغلب في كل جهاز من الأجهزة الحكومية الكبيرة تنظيم إداري مختص بالدراسات والاستشارات في مجال عمل ذلك الجهاز. أما هيئة الخبراء المرتبطة مباشرة بمجلس الوزراء فتخصصها يتركز في القانون.
ما الطموح في موضوعنا؟ وهو طموح ينسجم مع رؤية 2030 عالية الطموح، التي قامت على أسس كجودة الأداء الحكومي، ومراعاة التخصص، وجودة التنظيمات.
نطمح في تطوير هيئة الخبراء بتنويع تخصصاتها، أو بناء هيئة مركزية يعمل فيها خبراء في مختلف التخصصات والنشاطات من هندسية وزراعية ومعدنية واقتصادية وبيئية ومياه وطاقة وبلديات وموارد بشرية وتقنية معلومات وتعليم ومالية عامة وصحة وغيرها.
هناك أربعة أسباب وراء هذا الطموح.
الأول، مع التطورات العالمية المتسارعة وتعقدها، خاصة في الجانب التقني وتبعاته، صارت الحياة المعاصرة وموضوعاتها وقضاياها أكثر تشابكا وصعوبة. زادت عالميا التداخلات بين الموضوعات وتأثيرات ما يتخذ بشأن كل موضوع، ما زاد من المشكلات، وصعوبات في فهم جوانب الموضوع على الجهة الاستشارية المتخصصة في مجال ما.
ولعل في المشكلات العالمية الحديثة ما يدل على المقصود. اتسع الحديث على المستوى العالمي عن مشكلات في المصالح العامة والأسعار والعلاقات ومعيشة وصحة الناس والانسجام في التوجهات والقرارات وغيرها. الأسباب كثيرة من أكبرها ما جلبته التطورات من تقنية وغيرها من آثار وتبعات وتعقيد للقوانين لم تكن في الحسبان.
وتبعا زادت أهمية الارتباط والتعاون بين المتخصصين في تخصصات مختلفة بما يساعد على تحسين الفهم لما يجري. ومن ثم اتسع النقاش على تطوير الخدمات الاستشارية الحكومية في الدول والتي تقدم في كل جهاز حكومي.
الثاني، وجود درجة من تعارض المصالح في حال الاكتفاء بما في كل جهاز من خبراء ومستشارين سواء كانوا موظفين في الجهاز أو يتبعون جهات استشارية خاصة متعاقدا معها. طبيعة النفوس البشرية في كل المجتمعات والدول قديما وحديثا تجعل ما يصدر من موظفين في جهة تجعله يتأثر وبقوة بقناعات مسبقة لدى مسؤولي الجهة التي يعملون فيها. وهذه القناعات ليست بالضرورة الأصلح في كل زمان ومكان.
الثالث، إن القدرات المهنية في الأجهزة لا تعني أنها بلغت القمة مهنيا. وحقيقة كانت هذه النقطة سببا جوهريا في تأسيس مؤسسات كمستشفى الملك فيصل التخصصي. فرغم وجود عدد كبير من المستشفيات المستوفية للشروط طبعا، لكن القناعة كانت قائمة بحاجة إلى مستشفى مرجعي أعلى مهنيا.
الرابع، عرض نظام على هيئة أو إدارة قانونية، لا يعني أن خبراءها سيتعرفون على كل الخفايا والنقاط التي طبيعتها غير قانونية. قد يقول قائل في تلك الجهة القانونية إننا سنسأل ذوي الاختصاصات الأخرى لو احتجنا، والرد بكل بداهة بأنك كيف تعرف الخفايا وطبيعة الموضوع أصلا خارج اختصاصك.
هذه أمثلة لأنظمة لا يكفي أن يراجعها ذوو تخصص واحد، بل تتطلب تنوع تخصصات المراجعين الفاحصين، نظام الطرق والمباني ـ نظام تصنيف المقاولين ـ نظام المياه ـ نظام مياه الصرف الصحي ـ نظام البيئة ـ التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون. السبب تعدد جوانب وتأثيرات تلك الأنظمة.
ما سبق زاد من الحاجة في الدول، إلى وجود مرجعية حكومية استشارية عالية المستوى مهنيا، ومتعددة التخصصات وترتبط بأعلى سلطة.
ولنا في تجارب دول متطورة علميا دروس. أنشأت تلك الدول أجهزة استشارية حكومية متعددة التخصصات وعالية المستوى والمرجعية، بحيث تستعين بها المجالس العليا في أمور فنية من هندسية وزراعية وبيئية وصحية وتعليمية واقتصادية وقانونية وغيرها.
يوظف في تلك الأجهزة الاستشارية المركزية خبراء ومستشارون على قدر عال من التأهيل العلمي والعملي في جميع الاختصاصات قدر الإمكان. والنتيجة توافر مرجعية استشارية حكومية رفيعة المستوى بتخصصات متنوعة. ولم يكتف فقط بالمراجعة القانونية فقط. كما لم يكتف بالمتخصصين في أجهزة الحكومة. ولنا في الولايات المتحدة مثال. وطبعا كل ذلك لا يعني الوصول إلى الكمال.
يتبع الكونجرس فريق كبير من خبراء في تخصصات متنوعة، تحت مسمى خدمات الكونجرس البحثية The Congressional Research Service (CRS). يتوافر في الفريق مؤهلات ومهارات عالية، كما أن ترقياتهم تخضع لضوابط واختبارات تقويمية صارمة. لكن هناك نقطة ضعف قوية. البنك المركزي الأمريكي الفيدرالي مستقل عن خدمات الكونجرس البحثية. هذا كان أحد أسباب حصول مشكلات في الوقت الحاضر من قرارات تبناها "الفيدرالي" المحصورة خبرات مستشاريه بطبيعة عمل "الفيدرالي" فقط.
وفي هذا أشير إلى أمور مهمة:
أولا، مطلوب تقليل تعاقد الأجهزة الحكومية مع جهات استشارية خاصة. أولا لأنها تكلف مبالغ طائلة. وثانيا لوجود ملحوظات على أداء تلك الجهات الاستشارية الخاصة ومدى تفهمها احتياجات الجهات الحكومية.
ثانيا، بعض الجهات الحكومية يجب أن يكون أداؤها الفني يواكب طموحات الرؤية. ومن علامات ذلك ما نراه من دأب الأجهزة الحكومية على الاستعانة بمتخصصين من خارجها مباشرة أو عبر اتفاقيات مع جهات استشارية محلية أو أجنبية، لتقديم خدمات استشارية وإعداد دراسات وتقارير، كان يفترض أن يقدمها مستشارو تلك الأجهزة.
ثالثا، ينبغي أن يكون الطاقم الاستشاري أو الفني العامل في الهيئة المركزية المقترحة مرجعا فنيا للأجهزة الحكومية، ويساعد على تحقيق طموحات الرؤية. يتطلب ذلك وضع معايير عالية في توظيف المستشارين. وطبعا تقابل هذه الصرامة بمزايا مادية تجذب الكفاءات المطلوبة، للعمل حتى ولو بدوام جزئي. وتقليلا من احتمالات سوء التوظيف، يقترح إدخال جهات تقييم رفيعة المستوى من خارج الهيئة لمعاونة الهيئة في توظيف المتخصصين.
رابعا، يستعان بغير السعوديين في حالات خاصة وحدود ضيقة، ويسبق ذلك وضع ضوابط تضمن حسن الاختيار لهم، وجودة الاستفادة منهم بما في ذلك بناء منهجية جيدة في نقل خبراتهم. وبالله التوفيق.

إنشرها