ماذا تحمل الانتخابات المقبلة لتايلاند؟
السؤال المطروح بقوة على الساحة التايلاندية وفي أوساط الدول الآسيوية المجاورة المعنية باستقرار تايلاند هو عما إذا كانت نتائج الانتخابات المقبلة في هذه البلاد، المقرر إجراؤها منتصف أيار (مايو) الجاري، ستفضي إلى عودة الديمقراطية المدنية والاستقرار المفقود منذ الانقلابات العسكرية في 2006 و2014؟ ومع هذا السؤال تتجدد المخاوف من احتمالات تأرجح البلاد ما بين الحكومات المدنية المنتخبة والحكومات العسكرية الانقلابية كما كان حالها دوما، لكيلا نقول الدخول في الفوضى والاضطرابات مجددا.
والمعروف أن العاهل التايلاندي الملك ماها فاجيرالونجكورن، حل البرلمان في 21 آذار (مارس) الماضي استعدادا لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، يتوقع لها أن تكون ساخنة ما بين الموالين لحزب "بيوا تاي" -ذوي القمصان الحمراء- من مؤيدي عودة رئيس الوزراء الأسبق تاكسين شيناواترا، والمحافظين الموالين لحزب "بالانغ براتشارات" المدعوم من العسكر -ذوي القمصان الصفراء-.
الجدير بالذكر أن الجيش قمع في 2019 مناصري الحزب الأول الذين اضطروا في النهاية إلى الانصياع وكتم غضبهم وذلك طلبا للاستقرار ومنع العنف، الأمر الذي أفضى إلى فوز مرشح الحزب الثاني الجنرال برايوت تشان أوتشا رئيس الحكومة الحالية، خصوصا بعد أن وعد الأخير بتحسين أحوال الشعب من خلال زيادة مدفوعات الرعاية الاجتماعية.
غير أن انتخابات 2023 ستجري في ظل مشهد مختلف عما كان عليه الحال في 2019. فالسياسات التي سببت الانقسامات الحادة آنذاك تبدو أقل بروزا على السطح اليوم، خصوصا مع عودة قانون العيب في الذات الملكية وحظر الحديث عن تعديلات في النظام الملكي، فضلا عما حدث على الجانب الاقتصادي من انكماش بسبب أعوام جائحة كورونا الصعبة وتداعياتها المعيشية ما بين 2020 و2022.
وعليه، يرى بعض المراقبين أن هناك فرصة لحزب "بيوا تاي" لتسلم السلطة وتنفيذ برامجه المرتكزة على النمو الاقتصادي وإعادة توزيع الثروة وكف يد العسكر عن التدخل في الشؤون السياسية. ويبني هؤلاء فرضيتهم هذه على الضعف الذي يعتري الجانب الآخر المحافظ، والمتمثل في تعب الزعيم الحالي الجنرال أوتشا، وضيق صدره من وسائل الإعلام، وسرعة غضبه، وانقسام حكومته، ومنافسة نائبه وشريكه الجنرال براويت وونغسوون له، ولا سيما أنه في حال فوزه في الانتخابات لن يستطيع الاستمرار في الحكم أكثر من عامين بسبب قرار سابق اتخذته المحكمة الدستورية العام الماضي، حول حدود فترة زعامته على رأس الحكومة. وبطبيعة الحال ستتعزز فرصة "بيوا تاي" إذا عمد إلى أسلوبه المعروف في إغراء الناخبين بالأموال أو الوعود المالية.
أما البعض الآخر من المراقبين، فيزعم أنه من السابق لأوانه ترجيح فوز "بيوا تاي"، على الرغم من إدعاءات الأخير أنه سيحقق فوزا ساحقا. حيث يرى هؤلاء أن الوضع لا يزال غامضا، خصوصا فيما يتعلق بتسمية زعيم البلاد القادم في حالة فوز الحزب، فضلا عن أن النظام الانتخابي تغير منذ انتخابات 2019 وصار يرتكز على نظام الاقتراع المزدوج "مرشحو الدوائر المحلية ومرشحو القوائم الحزبية" ما يجعله في مصلحة الأحزاب الكبيرة وفي غير مصلحة الأحزاب الصغيرة، كالأحزاب الليبرالية، مثل "حزب إلى الأمام" المنشق عن "حزب إلى المستقبل" الذي تم حظره 2020 في ظروف مثيرة للجدل.
وهناك رأي آخر لفريق ثالث من المراقبين مفاده أن استطلاعات الرأي في تايلاند غير موثوقة في أغلب الأحوال، وأن حظوظ الفريقين المتنافسين متساوية، وبالتالي سيحاول كل فريق استمالة الفائزين من الأحزاب الصغيرة إلى جانبه، لكي يشكل حكومة جديدة ائتلافية "يحتاج رئيسها، ليس إلى دعم أغلبية أعضاء البرلمان المكون من 750 عضوا فحسب، وإنما أيضا إلى دعم أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ غير المنتخب المكون من 250 عضوا ممن يكتسي الغموض مواقفهم". ولا يستبعد هذا الفريق فرضية أن يدخل الخصمان الكبيران في ائتلاف مرن بعد أن ضاقت اختلافاتهما حول المسائل الجوهرية منذ 2019. لكن حينذاك قد يتولد صراع حول الاسم الذي سيقود البلاد، خصوصا أن لكل منهما مرشحه. فمثلا مرشح حزب "بيوا تاي" هي السيدة الكاريزمية باتونغتارن شينا واترا ابنة رئيس الوزراء السابق المخلوع تاكسين شيناواترا، وهذه كوالدها المنفي اختياريا، لن تكون مقبولة لدى المحافظين والعسكر الذين لهم عدد من المرشحين الأكبر سنا والأكثر تجربة، وعلى رأسهم الجنرال براويت وونغسوون.
وهناك أيضا احتمال أن تحدث مفاجأة بتدخل القصر إذا ما تجددت الخلافات والصراعات بعد العرس الانتخابي، فيمنع مثلا هذا ويرشح ذاك لزعامة الحكومة على نحو ما فعله 2019 حينما تدخل الملك فاجيرالونجكورن، فمنع أخته الكبرى الأميرة أوبول راتانا، من الترشح لرئاسة الحكومة.