default Author

هل للغة مكان في دماغك؟

|

اللغة ليست مجرد كلمات تنطقها شفتاك فتصل إلى المتلقي ليفهم ما تريد قوله. إنها حدث أكبر من ذلك. ذبذبات خفية تحتل جزءا من دماغك، إن لم يكن كله، فمثلا إن تحدثت عن الدجاج المشوي فإن الخلايا العصبية المتعلقة بالشم والتذوق ستنشط في دماغك. تسيطر اللغة على عقولنا وعلى حياتنا بشكل كبير من المستحيل أن نقوم بأي فعل أو نفكر في أي شيء دون اللغة، بغض النظر عما إذا كانت هذه اللغة صوتا خارجيا أو داخليا أو تعليمات مكتوبة. الكلام ميزة حبانا الله بها عن باقي المخلوقات!
اكتشف العلماء منذ ما يزيد على قرن أن قدرة استخدام اللغة تقع في النصف الأيسر من الدماغ، وفي منطقتين: الأولى، تتعلق بالنطق والتعبير وتسمى منطقة بروكا، والأخرى، تتعلق بالفهم وتسمى منطقة فيرنيك. ومع مرور الزمن وتطور العلم اكتشفوا أن الأمر أكثر تعقيدا، وأن اللغة ليست محدودة بتلكما المنطقتين، ولا بالنصف الأيسر فقط، بل إن الدماغ ينمو عندما نتعلم لغات جديدة، ولفهم عمل اللغة في الدماغ، أجرى العلماء مسحا لأدمغة بعض الأشخاص الذين استمعوا للراديو لساعات عديدة. ووجدوا أن كلمات مختلفة حفزت أماكن مختلفة في الدماغ حسب معانيها.
والمدهش أن ثنائيي اللغة وجدوا أن للكلمات لديهم مسارين مختلفين تبقى مطبوعة في الدماغ حتى لو لم يستخدموها، وهذا يزيل استغرابنا ويجيب عن تساؤل كيف تعرف طفل صيني تربى في أمريكا على الأحرف الصينية رغم أنه لم يستخدمها في حياته، حتى اللهجات تجد شخصا تربى عند أخواله في منطقة مختلفة يتكلم بلهجة أهل والده رغم أنه لم يرهم في حياته. لذا سواء خسرنا اللغة لعدم استخدامها أو بسبب إصابة ما، فإنها ستبقى في دماغنا، هذا يجعل استخدام التكنولوجيا للتواصل مع من لا يستطيع الكلام أمرا واردا. فقد نجح علماء الأعصاب في ابتكار جهاز يحول حديث النفس إلى كلام مكتوب، وآخر يسيطر عن بعد على حركات شخص ما عن طريق اتصال دماغيهما!
وأخيرا، أجرى باحثون من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا دراسة على شبكة اللغة في الدماغ، وكيفية عملها في 45 لغة تنتمي إلى 12 عائلة لغوية، وفحصوا متحدثيها بالرنين المغناطيسي، ووجدوا تشابها في خرائط الدماغ للغات التي تنتمي إلى العائلة نفسها، كما وجدوا فروقات دماغية عند أصحاب اللغات الصوتية التي يختلف معنى الكلمة فيها باختلاف النغمة، مثل الصينية والتبتية، وتنشط أماكن أخرى لدى أصحاب اللغات البسيطة التي تجتمع في مفردتها الواحدة عدة معان!

إنشرها