Author

منتجو النفط والتعامل مع سلة البترودولار

|
أستاذ جامعي ـ السويد

من أبسط المبادئ في علوم الاستثمار والادخار ألا نضع بيضنا في سلة واحدة، بمعنى يجب أن تكون لدينا سلال عديدة كل منها يحتوي على عدد من البيضات. فإن أكل الثعلب البيض في سلة ما، لن نخشى قلي البيض لوجبة الفطور لصباح اليوم التالي لأن الثعلب لم يتمكن من السلال الأخرى.
ومن ثم، حال أن عرفنا القصة أن الثعلب أتى على سلة من السلال، سنزيد من حرصنا وحمايتنا للسلال الباقية، ونسد الطرق في وجه الثعلب للتقرب منها.
بالطبع هناك سيناريو آخر أكثر خطورة، وهو مصدر البيض. إن كان الثعلب هو مصدر البيض، فمعناه في أي لحظة في إمكانه أن يمنع عنا الوصول إلى البيض، وحال أن استنفدنا ما لدينا لن يكون هناك بيض نقليه لوجبة الفطور.
والأخطر من هذا وذاك هو إن كان الثعلب لا يملك البيض وحسب، بل السلال أيضا. وهذا معناه، أنه في أي لحظة في إمكان الثعلب أن يلتهم سلالنا مع بيضها ويتركنا خالي الوفاض.
قد يكون هذا وصفا مبسطا للتجارة الدولية التي يتحكم فيها الدولار في أغلب مفاصلها، وعلى سيادة الورقة الخضرا على سوق النفط العالمية.
وعندما نتحدث عن سوق النفط العالمية، فإننا نشير إلى تبادل ما يصل حاليا إلى نحو 100 مليون برميل نفط في اليوم.
وإن أخذنا توقعات الاستهلاك العالمي للنفط في الحسبان حتى 2040، فإن السوق العالمية قد تحتاج إلى معدل ما قد يصل إلى مليوني برميل إضافي كل عام، أي ما يوازي نحو 34 مليون برميل آخر.
ولكن في العام ذاته، أي 2040، يتوقع أن يصل استهلاك، أي استيراد الصين من النفط المطروح في الأسواق العالمية إلى أكثر من 20 مليون برميل في اليوم.
بالطبع هذه توقعات، وأغلب الظن نحن مقبلون عليها، لأن من غير المتوقع وحتى الممكن أن يتجاوز العالم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة في العقود الخمسة المقبلة.
ومن أين ستأتي الـ34 مليون برميل الإضافية؟ كل التكهنات تفيد أن الشرق الأوسط هو المنطقة المرشحة لملء أي عجز في الإنتاج، وتأتي السعودية في المقدمة لسببين: الأول، لاحتياطاتها الهائلة المؤكدة من النفط الخام والتي تصل إلى 267 مليار برميل، والثاني، لإمكاناتها المالية الكبيرة حيث يتطلب إنتاج 34 مليون برميل إضافي حتى 2040 استثمارات قد تصل إلى أكثر من تريليون دولار.
ووجهة النفط من الشرق الأوسط لن تكون أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة، بل الصين ومن ثم الهند، حيث سيتركز الاستهلاك.
إن كان هناك عذر للاتكاء حصرا على البترودولار في العقود الخمسة الماضية وذلك لأن وجهة التصدير هي شمال أمريكا وأوروبا الغربية، فإن بوصلة الاستهلاك تشير صوب آسيا والشرق.
هناك أسباب أخرى ربما كانت أكثر منطقا وعقلانية من حيث الجيوبولتيك والاستراتيجية للاحتفاظ بالدولار وسلته وحسب. لن أعرج عليها لأنه جرى تناولها بإسهاب في الأروقة السياسية والإعلام.
بيد أن هناك أكثر من سبب منطقي وعقلاني واستراتيجي حاليا لتنويع سلال ريع النفط لكي لا يكون الثعلب، أولا في وضع يسمح له بالتهام البيض، ثانيا، إن التهم بعض البيض لن نبقى دون فطور الصباح لوجود سلال أخرى، وثالثا، وهذا الأفضل، أن ننتج بيضنا بأنفسنا مع سلالنا، وكفانا الله شر الثعلب.
أسوق التشبيه هذا لأنني وبتواضع أراه أقرب إلى الواقع الاقتصادي والتجاري لإنتاج وتسويق النفط وتحصيل ريعه وادخار الريع للأجيال القادمة أو استثماره.
وهناك أسباب موجبة لتنويع عملة تحصيل الريع لأن الدولار أصبح سلاحا، بوساطته تملك الولايات المتحدة البيض والسلال وفي إمكانها حرماننا ليس من أكل البيض بل حتى من الاحتفاظ بالسلال.
وما لاحظناه من إفرازات الحرب المدمرة في أوروبا لشاهد على ما نقول، حيث لم يتم تجميد البيض الروسي والسلال التي تحمله وحسب، بل يجري الاستيلاء عليهما، وهنا نتحدث عن ريع نفطي هائل عند 300 مليار دولار كانت روسيا قد ائتمنته عند الغرب والولايات المتحدة.
ليس هذا وحسب، ولكن أي دولة أو حتى فرد له البيض والسلال في الدولار، إن تعامل مع روسيا سيلاقي المصير ذاته، هذا إن أمكنوا منه.
وبما أن وجهة أغلبية النفط والغاز المنتج من الشرق الأوسط حاليا هي الشرق وآسيا، أظن آن الآوان لاقتناء سلال ريع نفطي أخرى عدا تلك المقيمة بالدولار.
لن يحدث ذلك في ليلة وضحاها، ولكن يستحسن تنويع السلال والبيض والعمل بأسرع ما يمكن لتحقيق ذلك.
وليس لدي أدنى شك أن أصحاب الشأن في هذه الدول لهم من الحنكة والمراس والكاريزما التي تقود دولهم وشعوبهم صوب الاستقلال الاقتصادي من خلال تنويع السلال.

إنشرها