جمال العلم ينافس الفن

تقف أمام لوحة وتطيل النظر إليها فتحملك إلى زمانها ومكانها محركة داخلك تلك القوة الكامنة للإبداع فتنطلق من فضائها إلى واقعك وتسعى إلى تغييره، وقديما كان الفن التشكيلي وسيلة لتبسيط العلم وتوسيع مدارك العلماء وتشكيل رؤية العامة عن العلم، لأنه قادر على طرح الحقائق العلمية بأسلوب مبسط وجذاب!
يبدو ذلك جليا في أعمال العالم والفنان ليوناردو دافنشي، أشهر علماء عصر النهضة الأوروبية، فقد تميز بإنجازاته العلمية واختراعاته إضافة إلى كونه رساما ونحاتا وأديبا ومعماريا وموسيقيا ومهندسا حربيا وعالما في الفلك والرياضيات والفيزياء والجيولوجيا والنبات والخرائط. وحقق من خلال هذا الاندماج عديدا من الإنجازات
والعالم الفذ جاليليو الذي عاش حياة مليئة بالإثراء العلمي والفني، فاهتم بدراسة الموسيقى والرسم إضافة إلى تفوقه في علم الرياضيات والفيزياء، وكانت إنجازاته في علم الفلك ثورية ساعدت على بناء فهم جديد لطبيعة الكون لذلك لقب بـ"أبو العلم الحديث".
ذلك الترابط بين الفن والعلم استمر لعقود من الزمن ولدور الفن المهم في توضيح الاكتشافات العلمية في مجالات مختلفة من خلال رسومات بسيطة لتفاصيل علمية معقدة، مثل رسومات تشريح جسم الإنسان وتفاصيل مكونات الخلية والجهاز المناعي والحمض النووي وقصة تطور الكون والثقوب السوداء، كان الفنانون يستخدمون العلم كوسيلة للتعبير عن رؤيتهم، والعلماء يعتمدون على الفن لشرح أفكارهم واكتشافاتهم العلمية.
أما اليوم يبدو أن هذه العلاقة ستؤول إلى الانفصال، مع التطور المذهل في العلم والأجهزة الدقيقة، فأثناء البحث عن الحياة على المريخ بين بوزون هيقز أن العلوم تسبق الفن بمقدرتها على توسعة مدارك الفرد وإلهامه، فمركبة روبوتية صغيرة تجوب المريخ للتأكد مما إذا كان قابلا لإقامة حياة عليه، نقلت صورا مذهلة وملهمة مثلها مثل الأسرار التي كشفها جهاز تتبع مثبت على قرش أبيض يجوب المحيط ويطلعنا على عوالم أخرى في أعماق المحيطات!
وكذلك لن تجد في العقدين الأخيرين لوحات فنية تضاهي جمال الصور التي التقطها تليسكوب هابل لسديم النسر أو مجرة الزوبعة. زيارة واحدة لموقع هابل وتأمل الصور الأخاذة للسدم والمجرات والتشكلات النجمية وأفلام حياة وموت النجوم لن تستطيع لوحة مرسومة التعبير عن جمال الخلق وبعث أسئلة تلهم الباحثين لأبعد مما وصل إليه أسلافهم، ويظل للفن فضل على العلم سطره علماء أفذاذ جمعوا بين العلم والفن، وحذا حذوهم بعض الجمعيات العلمية في عديد من المشاريع التي تجمع بينهما كمجموعة لندن والجمعية الأوروبية للأبحاث النووية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي