Author

لماذا أنظار الغرب مصوبة تجاه السعودية؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد

في مسيرتي الطويلة مع جريدة "الاقتصادية" أجزم أنني لم أكتب أو يطلب مني أن أكتب مقالا عن السعودية. هامش الاستقلالية والحرية التي لدي في الكتابة ربما لما حصلت عليه لو عملت في أي وسيلة إعلامية عربية أخرى.
فما الداعي يا ترى كي أسطر مقالا ثانيا، بعد مقال الأسبوع الفائت، حول السعودية؟
ما دعاني إلى الكتابة هو سيل المقالات التي أقرأها في الصحافة الغربية وما يطرق سمعي من أقوال حول ما يمكن أن تلعبه السعودية من دور مصيري في حياة الشرق الأوسط، وكذلك في حياة الغرب.
برز هذا الدور في الأعوام الأخيرة بعد أن اتخذت قيادتها قرارات غايتها نقل البلد، في إطار خطة محكمة، صوب الاستقلال الاقتصادي والسياسي وتطوير وتحديث بنيتها التحتية في الصناعة والزراعة والعمران والتكنولوجيا والتعليم والصحة والتأمين الاجتماعي وغيره.
وما يثلج الصدر أن ترى الانفتاج الكبير هذا يرافقه تأن وحرص على التراث والثقافة والتقليد الذي يميز السعودية كمركز ديني يتنافس مئات الملايين من المسلمين للحظو بالزيارة والحج.
ما تخصصه السعودية من مبالغ للاستثمار في هذا الصوب يسيل له لعاب دول تتربع على مراتب أقوى اقتصادات في العالم.
وما على السعوديين إلا اللحاق بالركب مكلفين أنفسهم وسعها لترجمة الخطط الموضوعة إلى واقع ملموس، ويكون البلد في غضون أعوام لا عقود طويلة في مصاف دولة أوروبية، ليس من جانب الاقتصاد بل الثقافة والفنون والانفتاح والتسامح والولوج في الحضارة والمدنية من أوسع الأبواب.
وأنا لست قريبا أبدا من أي مصدر للقرار، بيد أن بشائر نجاح المسعى بائنة للأنظار.
قد لا يصدقني البعض، أو قد يتصور البعض أن في خطابي بعضا من المبالغة.
لكن لننظر إلى الواقع وكما يعكسه لنا الإعلام الغربي ذاته وما نستشفه من الإفرازات الخطيرة للحرب المدمرة التي تدور رحاها في أوروبا حاليا.
فمنذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا والعالم في ترقب لما يمكن أن تفعله السعودية، ليس فقط من خلال دورها الرئيس كمنتج عملاق للطاقة، بل في أي قرار أو موقف منها قد يقلب الموازانات التي حكمت مسار الاقتصاد العالمي الأكثر من نصف قرن تقريبا.
والحرب هذه ستكون لها تبعات تحدد مصير العالم وأين ستكون بوصلة الاقتصاد العالمي وما هو القطب أو الأقطاب الكبرى التي ستدور كرتنا الأرضية في فلكها -هذا إن وضعت الحرب في أوروبا أوزارها والعالم لم يزل واقفا على قدميه، أي لم تدمره الأسلحة النووية التي يتشدق بها الطرفان، أمريكا التي تقف في صف أوكرانيا مع حلفائها ضد روسيا.
عاقبة الحرب في أوروبا لن تحددها ساحة المعركة، بل ما نلاحظه من محاولات حثيثة، رغم أنها في مهدها حتى الآن، إلا أنها من الخطورة بمكان، على زعامة الغرب للعالم، خصوصا مكانة الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة على المسرح الدولي.
ومكانة الدول ليست بما تكدسه من سلاح، بل بما تملكه من منعة اقتصادية. فلولا سيطرة الولايات المتحدة على مسرح الاقتصاد العالمي خصوصا من خلال عملتها القوية، عماد التجارة في العالم، لما شفع لها ولمكانتها كل ترسانتها العسكرية الجبارة.
قوة أمريكا تنبع من قوة الدولار، وهذا ليس مجالا لسرد كيف تسيطر على التجارة والاقتصاد في العالم من خلال عملتها.
ويكاد يجمع أغلب الاقتصاديين أن إزاحة الدولار عن عرشه قد لا تحصل، وربما لن تحصل، وإن أي تغيير بنيوي في وجهة الاقتصاد في العالم قد لا تقع إن عارضتها السعودية.
بمعنى آخر السعودية برزت في الأعوام الأخيرة كقوة مهيمنة في الاقتصاد العالمي، بإمكانها توجيه إدارة بوصلته صوب الجهة التي تختارها.
والسؤال الذي يرواد مر اكز الأبحاث لا بل يتعشعش في عقول الساسة الغربيين هو معرفة في أي صف تقف السعودية ليس في مسألة تعدد الأقطاب في العالم، بل حتى إن كان هناك مستقبل للعملة الخضراء، التي تدير العالم اليوم.
وبعد أن صار جليا التأثير الكبير لأي موقف سعودي على مسار الأمور في منطقة الشرق الأوسط وأبعد من ذلك، أخذوا يضربون الأخماس بالأسداس لمعرفة الإجابة على أسئلة ضمن نطاق مسارات أخرى.
اليوم هناك يقين أن سياسية السعودية ومواقفها يجب أن يحسب لها حساب. هناك إدراك لما يمكن أن تحدثه مواقف مستقلة تأخذ المصالح الوطنية المستقلة للسعودية في الحسبان مثل استقلالية القرار في تحديد سقف إنتاج النفط، والتوجه صوب الشرق خصوصا الصين القوية، والتقرب من إيران ومحاولة ضم سورية إلى الصف العربي والسعي إلى لم شمل أشقائها العرب تحت خيمتها.
العالم يقف على قدميه لمعرفة ماذا سيحدث لو أن السعودية قررت استيفاء ريع نفطها إلى الصين باليوان، أو استخدام عملتها الوطنية لشراء نفطها كما فعلت روسيا، أو ربط عملتها الوطنية بما حباها الله من ثروات.
ويذهبون بعيدا في السيناريوهات التي يقدمونها والأسئلة التي يثيرونها من مثل ماذا لو اجتمعت الدول العربية المنتجة للنفط تحت الخيمة السعودية، ومعا اتخذت قرارات مثل هذه.
لا أخفي سرا لكن هذا هو الجواب السحري الذي يسعون إلى معرفته، لأن قرارات مثل هذه هي التي ستغير وجه الاقتصاد العالمي، وتؤدي إلى بروز قطب جديد مركزه الرياض. وستبقى الأنظار مصوبة نحو السعودية.

إنشرها