Author

التضخم وهل العولمة معه أو ضده؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

يعاني العالم معدلات تضخم عالية نسبيا. في الوقت نفسه أسهمت التطورات التقنية في تسهيل العولمة والعلاقات الاقتصادية بين الدول. فهل العولمة مع أو ضد التضخم؟
هناك وجهة نظر أن التضخم لدينا في المملكة وبقية دول الخليج مصدره عالمي، ويعنون بذلك أن التضخم لدينا في معظمه انعكاس لعولمة عبر تضخم أصاب الاقتصاد العالمي. وربما أعطى أولئك تقديرا كميا، كأن يقولوا بأنهم يرون أن نسبة تأثير العوامل المحلية في التضخم لا تزيد على 20 أو 25 في المائة. وهذا يعني تهميش تأثير دور العوامل الداخلية في الأسعار والتضخم. ومسمى العولمة مصطلح انتشر حديثا، لكنه لا يعني شيئا جديدا. فالعولمة تطورت كثيرا خلال القرون الثلاثة الماضية. ويعبر عنها بالإنجليزية Globalization. وتشمل تعزيز العلاقات بين الدول في المجالات المالية، والتجارية، والاقتصادية وغيرها، في الماضي كانت دراسات ونماذج التضخم العلمية الأكاديمية تعطي وزنا أقل لتأثير العولمة في الأسعار والتضخم. وكان الاهتمام ينصب على تأثير العوامل المحلية. لكن حركة العولمة خلال الأعوام الـ15 الماضية غيرت من طبيعة وتركيز دراسات التضخم.
لو انخفضت الأسعار عالميا، هل تنخفض بنسبة مقاربة محليا؟
قال عديد من المتخصصين بعد دراسات مستفيضة، إن العولمة لم تعد مصدرا لخفض التضخم، كما كان ينظر في الماضي.
التضخم في علم الاقتصاد يعني وجود ارتفاع مستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات. أما الارتفاع لفترة قصيرة بسبب ظرف مكاني وزماني ما، فلا يسمى تضخما. وهذا التعريف غير مخصص بسلع أو خدمات بعينها، بل يشمل كل الخدمات والسلع التي تتداول تجاريا في السوق من عقارات وغير عقارات.
وتصدر مصلحة الإحصاءات العامة مؤشرات أو أرقاما قياسية تستنبط منها معدلات التضخم. وقد يثير البعض أسئلة عن دقة هذه الأرقام، وكيف بنيت، لكن هذا ليس موضوعنا.
وسادت زمنا طويلا فكرة خلاصتها أن العولمة تزيد المنافسة، ومن ثم تعمل على خفض الأسعار للمستهلكين. كانت هذه الصورة تميل إلى الصحة خلال الأعوام الماضية، لكن يبدو أن الوضع لم يعد كما كان سابقا. ويرتبط الأمر بفهم التضخم، خاصة مصدره.
ما مصدر التضخم؟
التضخم بصورة مباشرة ومبسطة، تخلو من النقاش الاقتصادي الجاف، ينتج من زيادة كمية النقود المتداولة. زيادة كمية النقود تعني زيادة عرض النقود، وحسب قانون العرض والطلب، زيادة العرض تعني انخفاض قيمة الشيء الذي زاد عرضه، مثلا عندما يزيد عرض سلعة من السلعة في وقت من الأوقات، فالمتوقع انخفاض قيمتها أي سعرها، وبالمثل زيادة العرض من النقود تعني انخفاض قيمتها، وهذا يعني ارتفاع الأسعار.
لا عجب أن كانت هناك عبارة مشهورة لدى بعض الاقتصاديين، "التضخم دائما وأبدا ظاهرة نقدية".
كون التضخم ظاهرة نقدية، لا يتعارض مع تفسيرات العرض والطلب من حيث كونهما يصنعان تأثيرات مسببة للتضخم. وطبعا تؤثر العولمة كثيرا في العرض والطلب. لكنه تأثير في جزء كبير منه غير مباشر، وتأثيرها مرتبط بزيادة عرض النقود، "أو قلة المعروض من السلع مقارنة بكميات النقود المتاحة" ومن ثم ارتفاع الأسعار.
من أسباب زيادة عرض النقود لجوء الحكومات إلى الاقتراض، وهذا الاقتراض يترجم بزيادة كميات النقود المتاحة، مقابل السلع الموجودة. أي هناك فجوة بين العرض والطلب، تعمل على ارتفاع الأسعار.
هناك عامل ارتفاع التكاليف، كارتفاع المصروفات التشغيلية في الشركات، ومن ثم ترفع هذه الشركات أسعار منتجاتها، وهذا بدوره يؤدي إلى مطالبة اليد العاملة بزيادة الأجور. وطبعا زادت العولمة من قوة وتأثير بعض الشركات. وهناك تضخم ناشئ عن الحصار الاقتصادي، كما حصل في دول.
يعمل التضخم على تحفيز الأعمال، ويدفع الأجور إلى الارتفاع، لكن من الملاحظ أن ارتفاع الأجور يقل عن ارتفاع الأسعار، ما يعني انخفاض الأجور الحقيقية. وهذه مشكلة عالمية، وزادت من حدتها العولمة. تستغني بعض الشركات لأن العولمة التقنية زادت من قوة وجود بدائل عالمية.
ماذا بشأن المقترضين؟
إذا كان حملة سندات التمويل ذات العائد الثابت من الخاسرين، فإن المقترضين محليا وعالميا يستفيدون من التضخم، بالنظر إلى انخفاض القيمة المستقبلية للنقود. وإيضاحا، افترض أنك حصلت على 100 ريال بطريقة تمويل ما، على أن تعيدها بعد عام 110 ريالات. لو افترضنا أن الأسعار ارتفعت 20 في المائة، خلال العام، أي أنه أصبح يلزمك 120 ريالا لتشتري السلع نفسها "من الممكن أن تكون السلع أسهما" التي كنت تشتريها بالمبلغ المقترض 100 ريال قبل عام تقريبا. المقترض، وفق الافتراضات السابقة، استفاد من ارتفاع الأسعار. هذا يفسر لنا ارتفاع العوائد التي يتقاضاها بعض المتمولين خلال فترة طفرات الأسعار بما في ذلك أسواق الأسهم.
عكس التضخم الانكماش deflation. وقد حدث في العادة مع انكماش النشاط الاقتصادي وضعف دورة الأعمال، وانخفاض الأسعار، متبوعة بزيادة العطالة خلال كساد الأعمال.
ربما يتذكر البعض وجود انكماش محدود أواسط عقد الثمانينيات من القرن الميلادي السابق، حيث انخفضت أسعار بعض السلع والعقارات، بعد فترة ازدهار ما يسمى الطفرة "انخفضت الأسعار من نحو 35 دولارا للبرميل أواخر عقد السبعينيات إلى نحو عشرة دولارات في 1986". وانخفضت الإيرادات العامة في 1986 إلى مستويات دنيا، مقارنة بالأعوام القليلة السابقة، ما يعني تقلص الإنفاق الحكومي، ونقص عرض النقود.
قبل عقد السبعينيات، كانت العلاقة بين التضخم والعطالة في الدول الصناعية علاقة عكسية، ولكن أصاب تلك الدول خلال عقد السبعينيات، ما سمى stagflation أي تركيبة من ثلاثة أمراض اقتصادية، عطالة مرتفعة وتضخم وركود اقتصادي. هذه الحالة تكررت في دول حديثا، وللعولمة دور. والحديث عنها طويل.

إنشرها