الحرب في أوروبا والدور المحوري للسعودية
أفرزت الحرب المدمرة في أوروبا كثيرا من التبعات وعلى مستويات شتى. قد لا نذهب بعيدا إن قلنا ربما ليس هناك بلد في العالم إلا وشملته هذه التبعات.
وقع عديد من الحروب في العالم بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها قبل نحو سبعة عقود، لكن لم يكن لأي منها تأثير سلبي مواز للحرب الحالية في أوروبا.
وعندما نتحدث عن التأثير السلبي أو بالأحرى المدمر، فإن المراد يقتصر على الهدف. إطلاق ناري يصيب عابر سبيل لا يكترث له الناس ولا الإعلام. إطلاق ناري يصيب شخصا من علية القوم يصبح على لسان الناس ومادة غنية للإعلام.
هذا شأن الحروب. حرب بين شعبين أو بلدين في عالم ثالث أو ما صار يطلق عليه عالم الجنوب لا تأخذ المساحة ذاتها من التفكير والقلق ما تأخذه حرب بين بلدين يقعان في بقعة من الأرض يراها كثيرون أنها مركز الكون ـ العالم الأول ـ الغني والمتمدن والصناعي وراعي حقوق الإنسان!
ودعني أوضح بصورة لا تقبل اللبس أنني هنا لا أميز البتة بين قيمة الإنسان إن كان يعيش في العالم الأول أو الثاني أو الثالث. "الناس سواسية كأسنان المشط" إن كانوا من علية القوم أو من أسفله، إن كانوا من العالم الأول أو الأخير. لكن هذا شأن البشر، أفرادا ودولا ومجتمعات وقارات ومناطق.
ولأن الحرب تدور رحاها في أوروبا، صار لها وقع مختلف إلى درجة أننا من أي عالم كنا صرنا نضرب الأخماس بالأسداس عن مآلاتها.
وحين تقع عيني القارئ الكريم على مقالنا هذا يكون قد مضى على الحرب في أوروبا 429 يوما يثرم فيها البشر كما يثرم القصاب اللحم، "هذا حسب وصفهم هم"، وتستهلك فيها من المعدات العسكرية كما تستهلك النار الهشيم ومن الأموال ما قد لا يحصى.
كل هذا والحرب يديرها العالم الأول ـ أي المتمدن العاقل الحضاري حامل لواء حقوق الإنسان والعدالة ـ ونيرانها تشتعل دون هوادة مثل النار الأزلية التي تشتهر بها الحقول النفطية العملاقة في مدينة كروك العراقية.
وبعد مضي 429 يوما من القتال المرير والمدمر في بقعة، كان وربما لا يزال كثير من الناس يراها باحة رجحان العقل والمنطق والحوار، ليس هناك بصيص أمل لمخرج سلمي لها، على العكس مع مضي كل يوم، يسكب المتصارعون والمتحالفون مزيدا من الزيت على النار المشتعلة.
وأغلب الدلائل تشير إلى أن الحرب الضروس في أوروبا ستستمر. إيقافها بالنسبة إلى حلفاء أوكرانيا وعلى رأسهم الولايات المتحدة دون نصر مبين على روسيا سيكون بمنزلة كارثة ـ وهم في الواقع محقون لأن أي وقف لإطلاق النار حاليا لا بد أن يلبي شروط روسيا بالحد الأدنى، وهذا يعد إنجازا كبيرا في حد ذاته لا أظن أن الغرب في وارد القبول به.
وفي رأيي أن مفردة "المأزق" هي أفضل توصيف للحرب في أوروبا، بمعنى أن الأطراف في ورطة كبيرة لأن الأهداف العسكرية ضبابية حيث لا نعرف ما يعني أي طرف عند قوله، "إنه يعمل لتحقيق النصر" أو "إنه يعمل لإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر".
في وضع ضبابي مثل هذا وفي خضم حرب تدور رحاها في رحاب العالم الأول ـ أوروبا ـ كثرت الأسئلة من مثل "ماذا لو..؟".
وقد أحصيت أكثر من نصف دزينة أسئلة من هذا النوع يلوكها المحللون والسياسيون وكتاب الرأي في الغرب. وما يميز هذا النوع من الأسئلة هو افتراضيتها أولا، وثانيا يرى مطلقوها أنها من الاستنتاجات المباشرة التي توصلوا إليها نتيجة قرأتهم الخاصة بالحرب الدائرة في أوروبا.
إن الجواب عن كل سؤال من الأسئلة مثل هذه، في رأي الباحثين، سيقلب التوازن الحالي في العالم ويدشن عالما آخر وأقطابا جديدة.
وربما لا يصدقني القارئ إن قلت إن للسعودية مكانا بارزا في هذه الأسئلة مثل التي ترد في عنوان مقالنا لهذا الأسبوع.
يأخذ المحللون دور السعودية وسياساتها واستراتيجياتها ورؤيتها المستقبلية وما تملكه من مكانة مؤثرة ضمن محيطها وخطط قيادتها الشابة وما حباها الله من موارد طبيعية وبشرية ومالية في مقدمة أولوياتهم وأسئلتهم من نوع "ماذا لو ...؟".
فما طبيعة الأسئلة التي يبدأها المحللون بـ"ماذا لو أن السعودية ..." وما طبيعة الأجوبة التي يمنحونها؟
لنحاول سبر أغوارها في مقال الأسبوع المقبل.