دموع التلاوة

من فضل الله علينا عند قراءة القرآن وتدبره هو الاستمتاع بنعمتي العقل والعاطفة، العقل يتمعن ويتدبر في آيات الله، ويزيد حدة تفكيره فيزيد الإيمان، وتعظم قوة الاستدلال، والعاطفة التي تجيش في بعض القصص أو المواضع.
الكتاب الذي لا ريب فيه قوى كثيرة، أهمها قوة التفكير، وقوة العاطفة، وكلتاهما تجتمعان لتعطي الروح الطمأنينة التي تزداد الحاجة إليها في شهر رمضان، شهر القرآن، الذي يزداد فيه الاقتراب والتدبر من كلام الله جل وعلا.
الأشياء العقلية التدبرية في القرآن الكريم كثيرة وعميقة، عميقة حتى في مستويات اللغة، وترتيب الكلمات المعجز، وهي مستويات وترتيب يدهشانك كل مرة تعاود التوقف والتأمل في عوالم الإعجاز اللغوي التي تقود في بعض المواضع إلى معرفة كنه الإعجاز العقلي والروحي.
من الأشياء الوجدانية العاطفية التي تستحضر الدموع والفرح في آن واحد تلك المواضع التي تتحدث عن علاقات الآباء والأمهات بالأبناء والبنات، وتلك الرمزيات التي تشع باليقين والإيمان بالله، التي توضح فطرة الحب والتمازج الروحي بينهم.
في موضع مثل استجابة إسماعيل لرؤية أبيه إبراهيم عليهما السلام، وتسليمه بالقدر، وشروع الأب في ذبح الابن استسلاما للإرادة الربانية قبل أن يفتديه الله بذبح عظيم، في هذه اللقطة لو توقفت وتأملت كمية الحنان والعاطفة التي ترجف القلوب، وتدمع العيون، تأمل في الأب المعتصر قلبه ينقل التعاليم للابن الذي يعتصر قلبه أيضا، لكن كليهما يسلم نفسه لإرادة الله.
خذ مثالا آخر، عندما يقول يعقوب عليه السلام "إني لأجد ريح يوسف" يقشعر بدنك لهذا الشوق الجامح العاصف الذي لم تطفئه سنين الغياب، الشوق المرتكز على إيمان بأن الله سيرده إليه يوما ما، تدمع عيناك لاشتعال حاسة الشم، أنبل الحواس من وجهة نظري، اشتعالها النابع من القلب، القلب الموقن برحمة الله.
المواضع العاطفية كثيرة وجميلة وعميقة ومؤثرة، أم موسى تذعن وتضعه في اليم، يونس يقبع في بطن الحوت، نوح ينادي فلذة كبده "اركب معنا"، مريم تقول وتسأل ثم توقن، وغيرها كثير من المواضع التي تشعل العاطفة لتكون وقودا للعقل يتفكر ويتدبر في هذه العلاقات الإنسانية التي تنشأ أو تقطع بناء على العلاقة بالمولى عز وجل.
العبادات والتنظيمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعظات والعبر أشياء يضمها الذكر الحكيم، وهو أيضا يضم ويعطيك كثيرا من الدفعات العاطفية التي تطهرك دموعها وتقربك إلى واقع الأشياء العظيمة وكنهها، ولا بد أن حبك والديك وحبهما لك من أروع ما تقوله لك دموع التلاوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي