Author

سوق العمل ببصمات 2030

|

تضمنت رؤية المملكة 2030 محاور أساسية في البناء الاقتصادي والاجتماعي والحراك التنموي، الذي لا يتوقف، والتطوير الذي يتماشى مع التحولات والتطورات، إلى جانب أحد أهم المحاور الرئيسة، الذي يرتبط مباشرة بتشغيل وتأهيل وتدريب وتعليم السعوديين، كي يشاركوا ويسهموا بدورهم المباشر في عملية البناء الكبرى، ولا سيما أن لديهم من الإمكانات الكثير.
والرؤية لا تركز فقط على توطين الوظائف، وهذا أمر يحدث منذ إطلاقها بوتيرة عالية، بل إدخال كوادر وطنية جديدة إلى سوق العمل، بما يتناسب مع متطلبات السوق. فمن ضمن الركائز الرئيسة للخطة الوطنية الاستراتيجية، المواءمة بين مخرجات التعليم والتأهيل ومتطلبات سوق العمل، وهذا التوازن يوفر مزيدا من القوة لسوق العمل، ويفتح الآفاق أمام الأجيال القادمة الصاعدة المتعلمة والمتدربة والمؤهلة عموما.
ولأن استهداف البطالة على الساحة المحلية يمثل هذه الأهمية الكبيرة، والإجراءات والخطوات التي اتخذت بهذا الشأن حققت وتحقق الأهداف المأمولة، كان طبيعيا أن ينخفض معدل البطالة في أوساط السعوديين ذكورا وإناثا في نهاية الربع الأخير من العام الماضي إلى 8 في المائة، متراجعا من 9.9 في المائة سجلت في الربع الثالث الذي سبقه. وهذا التراجع في مستويات البطالة يعد مميزا فيما لو قورن حتى بأوضاع التشغيل والعمل في دول متقدمة تركز على خفض أعداد المتعطلين عن العمل عموما. واللافت من السياسة العامة السعودية في هذا الخصوص، أن البطالة تراجعت رغم فترة صعبة مر بها العالم بسبب تفشي وباء كورونا، فأغلب الدول شهدت ارتفاعا كبيرا في عدد المتعطلين عن العمل فيها، بسبب هذا الوباء، ولا تزال سوق التشغيل تعاني حتى اليوم الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الجائحة.
العامل الأهم لتراجع نسبة البطالة على الساحة السعودية، ليس فقط المخططات الاستراتيجية العميقة التي تم وضعها بهذا الشأن، لكن أيضا النجاح الباهر في تنفيذ هذه المخططات، لدرجة أن المستهدفات الاقتصادية تحقق أهدافها قبل المواعيد المحددة لها. فالنسبة الأخيرة تقترب عمليا من الحدود التي وضعت ضمن سياق الرؤية عند 7 في المائة، ما يعني أن المستهدفات في هذا الخصوص تحققت بالفعل قبل موعدها بسبعة أعوام. بالطبع هناك عوامل كثيرة لارتفاع معدلات التشغيل بين السعوديين في الفترة الماضية، على رأسها النمو المتواصل الذي يشهده الاقتصاد الوطني في البلاد. وهذا النمو يأتي مرة أخرى حتى في ظل الصعوبات التي جلبتها كورونا إلى المشهد العالمي العام، من خلال مشاريع متجددة واستثمارات متنوعة وتوسع في قطاعات بعينها، وافتتاح آفاق عمل واستثمار بصورة متواصلة. أي أن عجلة التطوير الاقتصادي تتماشى مع حراك التشغيل عموما.
والنمو الاقتصادي على الساحة المحلية يأتي في ظل تراجع وانكماش في النمو لدى أغلب الاقتصادات حول العالم، فيما سجل الاقتصاد السعودي أعلى مستوى منذ 2010 عند 8.7 في المائة، خلال 2022. ولأن الأمر كذلك، فإن معدلات البطالة على مستوى السكان ككل تراجعت إلى 4.8 في المائة من 5.8 في المائة، ما يعني مجددا أن المسار التنموي والتشغيلي يمضي قدما رغم كل المؤثرات السلبية، التي مرت على العالم في العامين الماضيين.
ولا شك أن مستويات التشغيل في أوساط السعوديين شملت القطاعين العام والخاص، ما يؤكد أن البرامج التدريبية والتأهيلية التي أطلقتها الحكومة ضمن برنامج نطاقات تحقق أيضا أهدافها في إدخال مزيد من الكفاءات البشرية إلى سوق العمل وفي مختلف القطاعات. ستكون هناك قفزات أخرى على صعيد خفض مستويات البطالة على الساحة المحلية، بفعل المخططات التي لا تنفذ بنجاح فحسب، بل تنجز قبل موعدها الموضوع لها.

إنشرها