Author

رمضان زمان

|

بعد يومين ستستقبل الأمة الإسلامية بجميع أرجاء الأرض ضيفا عزيزا على قلب كل مسلم. رمضان المبارك الذي يسمو بأنفسنا نحو تلك الروحانية التي نفتقد زخم نسائمها خلال العام في ظل الانشغال بتكاليف الحياة. تتعاقب على أعمارنا مواسم رمضان وفي كل عام تتغير الأحوال وتتبدل الظروف وتتباين الأشياء، لكن يظل رمضان المبارك يحمل الطابع الروحاني العميق الذي يجب أن نعيشه ونجعل أجيالنا تعيشه بكل أبعاده الروحانية والعائلية والدينية. التغيير سنة الحياة ولا شيء يبقى على حاله وعلينا أن نتقبل ذلك بكثير من الحب والرضا والتأقلم.
جميعنا نفتقد تلك التفاصيل الصغيرة التي عشناها قبل 20 و30 و40 عاما حين كانت البساطة والعفوية وعدم التكلف في سفرة رمضان هي السائدة، حين كانت العلاقات العائلية خصوصا في رمضان متينة بين الأقارب فلا تكاد تخلو المنازل من زائرين وضيوف وأقارب، يتخلل ذلك ضجيج الأطفال المحبب ولهوهم مع بعضهم بعضا واللعب في الحارة مع أبناء الجيران. حين كانت "الطعمة" و"النقصة" بين الجيران شيئا متعارفا عليه، فتلك صحون التشريبة واللقيمات والسمبوسة والجلي والمهلبية وغيرها "رايحة وجاية" بينهم. ذكريات رائعة لا يمكن نسيانها وسنظل نحكيها لأبنائنا وأحفادنا بكثير من الحب والاشتياق، لكن إشكالية بعض الذين عاشوا رمضان في الماضي أنهم لم يستطيعوا تجاوز التغييرات الاجتماعية والزمانية والبيئية التي حدثت. جميعنا نتفق أن الحنين سيظل يشتعل في الأرواح لكل تلك التفاصيل لكن ذلك ليس مبررا لأن يعيشوا روح الإحباط والألم والتحسر على ماض لن يعود. مقاطع الفيديو التي يتم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي لذكريات رمضان زمان ووضع أغان حزينة عليها وعبارات اشتياق مؤثرة تقارن بين رمضان زمان ورمضان حاليا والاجتهاد في وضع تعليقات سوداوية عليها.
كل ذلك يبعث على الإحباط في نفوس هؤلاء ما يجعلهم عالقين حرفيا في تلك المنطقة الرمادية التي تمنعهم من الاستمتاع بتفاصيل رمضان الروحانية وجمال لياليه وسماحة أيامه. هذه الروح السوداوية التي ترتكز على المقارنة دوما بين الماضي والحاضر تفسد جمال الحاضر وتنسي أولئك "المتحلطمين" جميع النعم المتدفقة الذي يرفلون فيها بحاضرهم.
الحقيقة التي يرفض هؤلاء الاعتراف بها هي أن التغيير لا يحدث في الأزمنة، بل في الأشخاص، وأن سبب افتقاد العلاقات الأسرية والاجتماعية في رمضان وغيره هو أن كثيرين أصبحوا يشعرون بالراحة حين يكونون وحدهم في حين يشعرون بالوحشة وعدم الارتياح في صحبة الآخرين.
وخزة
يقول ونستون تشرشل، "لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر فسنجد أننا خسرنا المستقبل .. توقفوا عن المقارنة وعيشوا جمال الحاضر"!

اخر مقالات الكاتب

إنشرها