Author

الرثاء الجديد

|

من الفنون التي اهتم بها الأدب السعودي فن الرثاء، ويرى الدكتور بكري شيخ أمين أن الرثاء في سياق الأدب السعودي فن تقليدي صرف جرى فيه أصحابه من الشعراء على نهج القدماء، شأنهم في ذلك شأن شعراء الغزل والمديح، ولا يتضح ذلك إلا بالمقارنة بين هذين الإنتاجين، وإن كان من المتاح للمتلقي أن يستشف ذلك في عدد من المصادر، والموسوعات الأدبية: "كالموسوعة الأدبية" للساسي، و"وحي الصحراء" والصحافة السعودية الحديثة كالقبلة وأم القرى، وكانت هناك ثلاثة مظاهر عدت من أهم ما قلد فيه المعاصرون للأقدمين في الرثاء: هوية المرثيين، معاني شعر الرثاء، أسلوب القصيدة الرثائية وشكل أدائها الفني.
وهناك رثاء لم يتضح في الثقافة القديمة مثلما هو عليه الآن وهو رثاء الكوارث والجوائح التي كثرت في هذا الزمن، وقد ظهرت صور أدبية شكلتها ظواهر الطبيعة من فيضانات، وحرائق.
وقد وثق الأدب عديدا من تلك المواقف الرائعة التي دونت صورا لتلك المصائب حيث نطالع فيها كيف غدت البيوت في عديد من بلدان العالم متهدمة في لحظات، وكذا المحال، والمقار، والأسواق، بسبب زلازل، وأحرقت مواقع كثيرة، بسبب البراكين وحممها متعاظمة الخطورة، وفي أماكن أخرى سوي كل شيء بالأرض، وقضي أمر الله فيهم ما بين لمحة عين، وانتباهتها، لا بل أقل، كما تحولت ناطحات السحاب، ومظاهر المدنية كأن لم تغن بالأمس، فكم نحتاج إلى فن الرثاء في مثل هذه المواطن التي لم يكد يتعافى من جائحة كورونا، حتى هجمت عليه جدري القرود، ثم حاليا الزلازل، والفيضانات، فتلك جنود إلهية لها أشباهها كالخسف، والمسخ، والهدم، والغرق، والحرق، وفقد الأموال، والبنين، والأعزاء، وانتشار الخوف، وكل ذلك بحاجة إلى رثاء جديد ومن نوع خاص تنكشف فيه صعوبة الحدث ورقة الأدب الذي يظهر الإنسان وهو يشارك أخاه أفراحه وأتراحه.

إنشرها