default Author

معا لبناء اقتصاد بيانات أفضل «1من 3»

|

بصمتنا الرقمية تحقق قيمة ضخمة، لكن معظمها ينتهي به الحال في مستودعات معزولة لدى الشركات التكنولوجية الكبرى، فلم يسبق تسجيل مثل هذا الكم الشامل من البيانات عن النشاط الإنساني من قبل. فالساعات الذكية ترصد نبضات القلب بصورة لحظية لمساعدة أجهزة الذكاء الاصطناعي البعيدة على تحليل مخاطر أمراض القلب. وتتابعنا أجهزة البلوتوث والنظم العالمية لتحديد المواقع، لمعرفة ما إذا كان البعض منا يتسوق في أسواق الأطعمة الفاخرة، أو يتجول في قسم الحلوى. ويتم جمع بيانات عن الصفحات والمنشورات التي نعجب بها وساعات التصفح عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بمخاطرنا الائتمانية، وترسل استفساراتنا على منصات التسوق إلى أجهزة معالجة اللغة الطبيعية لعرض إعلانات موجهة تلقي بشباكها غير المرئية على عقولنا لإعادة تشكيل أذواقنا وعاداتنا دون أن نشعر.
وقد أصبح توليد وجمع البيانات عن الأفراد يشكل جزءا كبيرا من الاقتصاد الحديث. وتنشأ عن هذا النشاط قيمة ضخمة. وتستخدم البيانات الكبيرة والتحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعي في أعمال البحوث والتطوير الداعمة للإنتاجية إلى جانب قدرتها على تعزيز الشمول المالي. وخلال الجائحة استرشد صناع السياسات ببيانات التنقل اللحظية لشعوب كاملة لتحديد أثر الإغلاق العام. وتم إرسال إشعارات من خلال تطبيقات تتبع المخالطين إلى الأفراد الذين يواجهون خطرا محتملا نتيجة وجودهم بالقرب من المصابين بفيروس كوفيد- 19.
وبينما ساعدتنا البيانات على رصد جائحة كوفيد- 19 والتكيف معها والاستجابة لها، سلطت الجائحة الضوء على قضيتين أساسيتين مرتبطتين بآلية تدفق البيانات عبر الاقتصاد العالمي. الأولى، أن اقتصاد البيانات معقد ولا يحترم خصوصية الأفراد دائما. الثانية أنه يتم الاحتفاظ بالبيانات في مستودعات معزولة خاصة، ما يحد من قيمتها كسلعة مجتمعية عامة.
والسؤال المطروح هنا من يمتلك هذه البيانات على أي حال؟
بمجرد أن تبدأ النظم العالمية لتحديد المواقع ومكبرات الصوت ومقاييس التسارع في الأجهزة الذكية التي نحملها في جيوبنا ونضعها على المنضدة بجوار الفراش وعلى طاولة المطبخ، في مراقبة سلوكياتنا والبيئة التي نعيش فيها، أين تذهب هذه البيانات؟ في معظم الدول يتم جمع هذه البيانات ومعالجتها وإعادة بيعها من جانب أي طرف يستطيع الوصول إليها. وغالبا ما يتم الحصول على موافقة المستخدم من خلال وضع علامة في مربع أسفل نص قانوني طويل مكتوب بحروف دقيقة ـ وهي وسيلة من الصعب اعتبارها موافقة حقيقية مستنيرة. وتعد التحليلات القائمة على هذه البيانات التفصيلية وسيلة للتأثير في السلوك وذات قيمة تجارية كبيرة. وينبغي التأكيد هنا على أن المنفعة متبادلة حيث يحصل المستهلكون على عديد من السمات الرائعة التي تدعمها البيانات دون تحمل تكلفة مالية مباشرة في المقابل. لكن هل ما يحصلون عليه يعد كافيا؟
إن معظم المعاملات التي تنطوي على تداول البيانات الشخصية تتم دون علم المستخدمين الذين على الأرجح لا يعلمون حتى بوجود مثل هذه المعاملات فضلا عن الموافقة عليها. وهذا ما يطلق عليه في علم الاقتصاد العوامل ذات المنشأ الخارجي، فتكلفة فقدان الخصوصية لا تؤخذ في الحسبان كليا عند تبادل البيانات والنتيجة أن هذا الغموض المحيط في الأسواق يؤدي على الأرجح إلى جمع بيانات كثيرة لا ينال الأفراد سوى نصيب ضئيل من قيمتها.. يتبع.

إنشرها