Author

هزة البنوك و«لعبة الثقة»

|

حتى الآن لا تزال أزمة إفلاس عدد من البنوك تحت السيطرة، بحسب المسؤولين في كل من الولايات المتحدة وسويسرا، إضافة إلى تصريحات بعض الدول الأوروبية والأخرى التي أعلنت أنها لم تتأثر مباشرة بانهيار بنك سيليكون فالي، التي كان آخرها مصرف "فرست ريبابليك" الأمريكي، الذي أسرعت أربعة من أكبر البنوك في البر الأمريكي بالأموال اللازمة لضمان استمراريته، بصرف النظر عن مكاسب البنوك المنقذة على المدى الطويل.
الهزة التي بدأت بتعثر بنك سيليكون فالي ضربت أسهم المصارف في البورصات العالمية الرئيسة على الفور، وعمقت هذه الأسهم خسائرها حتى بعد إعلان الرئيس الأمريكي جون بايدن ضمان أموال المودعين، وليس المستثمرين، في هذا البنك الذي يحتل رقم 16 في قائمة أكبر المصارف الأمريكية. ومع تعثر جديد آخر في القارة الأوروبية لبنك كريدي سويس السويسري، زادت المخاوف في أوساط مالكي أسهم المؤسسات المالية عموما، والمصارف المعروفة خصوصا.
المسألة في الساحة المالية عموما ترتبط بما يمكن تسميته "لعبة الثقة"، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن يكون المصرف متعثرا أو يقترب من الانهيار، لكي تضطرب سمعة وقوة هذا البنك أو ذاك. وهذا ما حدث في الأيام القليلة الماضية، فقد تعرضت أسهم مصارف لتراجع كبير، رغم الملاءة الكبيرة لها. وهذه الأجواء تعزز اعتقاد البعض من أن أزمة عدد من البنوك حاليا، ربما اتسعت إلى نطاق أوسع. ورغم أن هذا الاعتقاد لا يزال مستبعدا، وذلك لضيق ساحة المصارف المتعثرة، ولتحرك السلطات التشريعية بسرعة، ولتدخل مصارف أخرى في عمليات إنقاذ، إلا أن الثقة لدى المستثمرين في أسهم المصارف لن تعود سريعا، على الأقل في الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصا مع استمرار سياسات البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم، وهي السياسات التي أسهمت في تعثر المصارف المشار إليها.
في ظل هذه الأجواء المتوترة، بدا الإقبال على الملاذات الآمنة من جانب المستثمرين طبيعيا جدا، بضخ استثمارات متزايدة بالدولار والين الياباني. وفي الأيام القليلة الماضية، تعزز وضع هاتين العملتين، في الوقت الذي ينتظر فيه العالم قرار المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" بشأن رفع الفائدة مجددا، ومن المرجح أن ترتفع بالفعل، لكن ربما بوتيرة أقل من سابقاتها، وقد يتم الإبقاء عليها كما هي، ولربما خفضها في احتمالات ضعيفة.
وهذه الخطوة كما هو معروف، ستمنح العملة الأمريكية مزيدا من القوة، لأنها تشهد عمليا استقطابا مستمرا في الاستثمارات منذ أن بدأ "المركزي الأمريكي" سلسلة زيادات الفائدة. ضبابية المشهد المالي على الساحة الغربية عموما، تمنح الدولار إلى جانب الين مزيدا من الدعم في المدى القصير على الأقل، خصوصا في ظل سوق باتت شديدة التقلب، والخوف من "العدوى". لكن في ظل التطورات الراهنة يبدو أن "العدوى" ستكون محدودة الجانب، مع الإجراءات العملية التي اتخذت من قبل الجهات المالية التنظيمية.
ومن هنا، ستشهد الأسواق مزيدا من تحول الاستثمارات نحو العملة الأمريكية، خصوصا التي "ضربت" بالفعل على مدى أشهر تدفقات الأموال إلى الأسهم بصورة أو أخرى. والمشهد الحالي مختلف عما كان عليه خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008. بعد هذه الأزمة وضعت السلطات التشريعية حول العالم سلسلة من القيود الجديدة على المصارف، ستقوم هذه السلطات بفرض قيود أخرى في أعقاب انهيار بنك سيليكون فالي وتعثر البنوك الأخرى. وفي هذه المرحلة، ستكون الملاذات الآمنة أكثر ازدهارا، ففي الأوقات الضبابية أو عدم اليقين، يلجأ المستثمرون عادة إلى ما يحمي أموالهم، ويبعدها عن مخاطر التقلبات بصرف النظر عن مستوى هذه التغييرات.

إنشرها