FINANCIAL TIMES

كال نيوبورت: اعمل بذكاء وليس بجد

كال نيوبورت: اعمل بذكاء وليس بجد

كال نيوبورت: اعمل بذكاء وليس بجد

في ليلة ذات نسيم عليل في تشرين الثاني (نوفمبر)، اجتمع عشرات الأشخاص في مكتبة في الطابق السفلي في واشنطن العاصمة لسماع رأي كال نيوبورت حول حالة التكنولوجيا، والعمل والمجتمع عموما. نيوبورت، عالم حاسوب في الـ40 من عمره تلقى تدريبه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يقضي معظم وقته في البحث في نظرية الخوارزميات الموزعة وتدريس الرياضيات والنظريات للطلاب الجامعيين كأستاذ مشارك في جامعة جورج تاون. لكنه أيضا اقتطع وقتا لعمل جانبي يدعو إلى إنتاجية الجماهير، بتعاليم تدور حول قيم العمل المركز، والتوازن بين العمل والحياة، والتخلص من المشتتات الرقمية.
نيوبورت، الذي يتمتع بمظهر تقليدي لطيف، لا يقوم بكثير من الخطابات أمام الجمهور. أولا، لأنه لا يحب السفر بعيدا عن زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار. ثانيا، لأنه لا يستمتع بالقيام بها. أخبرني، "لا أمانع في الواقع أن أصعد على المسرح. لكنني فقط لا أحب - أنا منطو جدا فحسب". في هذه المناسبة، وافق على الظهور في مكتبة إيست سيتي، مكتبة مستقلة لبيع الكتب في كابيتول هيل، في محادثة مع ديفيد ساكس، صحافي كندي له كتاب جديد بعنوان "المستقبل تناظري".
كانت الغرفة مليئة بالحضور الذين تراوح أعمارهم بين أوائل العشرينيات والمتقاعدين. لكن كما اعترف ساكس بنفسه لنيوبورت، "دعنا نواجه الأمر، 90 في المائة من الحضور هم هنا لرؤيتك". عندما سأل ساكس الموجودين في الغرفة للتأكيد، ارتفعت ثلثا أيدي الحشد للموافقة.
نيوبورت، متفائل استثنائي من جيل الألفية ذو نزعة لنكات الآباء، من الدعاة غير المتوقعين. إذ يبدو أن رد الفعل العدمي حول العمل بعد الجائحة مهيأ لمعلم ذي أسلوب أكثر تهكمية. لكن الراديكالية الهادئة في كتب نيوبورت حول الإنتاجية واستراتيجياته للتكيف من أجل العاملين في مجال المعرفة في القرن الـ21 ساعدته على بيع أكثر من مليوني نسخة مترجمة إلى 40 لغة، ما جعله أحد المشاهير في هذا المجال. يقوم أكثر من 300 ألف شخص بتحميل حلقات البودكاست الخاص به، أسئلة عميقة، كل شهر. ساعد إنتاجه على عدة وسائط إعلامية - البودكاست، وقناة يوتيوب، ورسالة إخبارية ودورات تدريبية عبر الإنترنت - على نشر أساليبه، ومصطلحاته المختصرة ومفرداته، التي صممت جميعها لتحدي العمل المزدحم الأدائي، أو "عقلية جماعية مفرطة النشاط" كما يسميه نيوبورت، التي تهيمن على الثقافة المكتبية الحديثة.
في هذا الحدث، ناقش نيوبورت وساكس مجموعة متنوعة من الموضوعات، بدءا من قدرة موقع زووم على ترجمة التجربة البشرية "بشكل ليس جيدا" إلى مستقبل المكتب "حضور أقل، مرونة أكبر". ثم، اصطف أكثر من عشرة أشخاص حتى يوقع نيوبورت على نسخ من كتبه. وقد سافر زوجان بالسيارة لمدة ثلاث ساعات من ليكسينجتون، فيرجينيا، وكان مقررا لهما القيام برحلة العودة في وقت لاحق من تلك الليلة. قالت المرأة، "لم أكن سأفوت هذا عندما سمعت أنه سيكون هناك حدث حي". قالت نحاتة في منتصف العمر إنها أصبحت "معجبة" بنظريات المؤلف حول الإنتاجية البطيئة. قالت، "أعتقد أن هذا يريح قلبي، لأن كل ما أفعله يستغرق وقتا طويلا".
نيوبورت ليس أول شخص يصنع اسما لنفسه في مجال إدارة الوقت. إذ، كما يحب أن يشير، تعود المفاهيم الاقتصادية للإنتاجية والعمل ذي القيمة المضافة إلى آدم سميث. في حين أن كثيرا من التركيز في أواخر القرن الـ20 كان على محاولة إنجاز أكبر قدر ممكن في أقصر فترة زمنية ممكنة، فإن معظم الكتب الشائعة الحديثة حول هذا الموضوع جادلت بشكل أساسي عكس ذلك، الطريقة لإنجاز المزيد هي أن تفعل القليل، كما يتجلى في أكثر الكتب مبيعا مثل كتاب "كيف لا تقوم بأي شيء: مقاومة اقتصاد الانتباه" للمؤلفة جيني أوديل، وكتاب "أربعة آلاف أسبوع: إدارة الوقت للبشر"، للمؤلف أولفير بركمان.
تعد كتب نيوبورت جزءا من هذه الأعمال، تتطرق إلى الإحساس بالإرهاق الذي تصاعد في أعقاب وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وتبخر الحدود بين العمل والحياة. كونك في غرفة واسعة مفتوحة مع جميع زملائك يجعل من الصعب عليك أن تركز. لكن الأمر ينطبق أيضا على كونك بمفردك، حيث تعطي اهتماما لإشعارات ورسائل البريد الإلكتروني المستمرة من منصة سلاك. إن نيوبورت يقدم إجابات لهذه الأزمة تحديدا.
كانت مصادفتي الأولى لعمل نيوبورت في إحدى العطلات في 2018 في باتاجونيا. إذ أحضر زوجي كتاب "العمل العميق" في حقيبته وأعلن بثقة، في مكان ما وسط أنهار متنزه توريس دل باينه الجليدية، أنه قد أبصر الحقيقة وأنه سيتعامل مع عمله بطريقة جديدة. استمر ذلك التعجرف حتى عاد إلى المكتب.
عندما أخبرت نيوبورت بهذه القصة العام الماضي ضحك. وقال بنبرة جادة، "تلك هي رسالتي: نشر العجرفة المؤقتة". على الرغم من ذلك، فقد تعاطف مع زوجي. "يشبه حال الأساتذة في الصيف إذ يخبرون أنفسهم بذلك، "حسنا. كل شيء ممكن. لقد استعدت السيطرة على كل شيء. سأبسط الأمور". وبحلول منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، يصبحون في حالة تأهب طوال الوقت".
كنا جالسين في مكتب نيوبورت في تاكوما بارك في ضواحي واشنطن. قام نيوبورت وزوجته بإعادة تصميمه خلال الجائحة، عبر طلاء الجدران بدرجات غنية من لون الكوبالت. وتصطف الكتب على الأرفف المبنية في الحائط. لا يوجد أي ورقة أو مفكرة متناثرة على المكتب.
جاء نيوبورت بفكرة كتاب "العمل العميق" خلال فترة وجوده في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عندما كان محاطا "بهؤلاء المنظرين اللامعين". وكان قد لاحظ أن الفائزين بمنحة ماك أرثر جينيس جرانت من حوله، والذين حلوا بعضا من أكبر النظريات الرياضية في العالم، لديهم القدرة على التركيز بعمق على مشكلة أو مشروع واحد لفترة طويلة. ووفقا لنيوبورت، فإن هناك بعض الأشخاص الذين يجيدون العمل العميق بشكل طبيعي. كبار علماء الحاسوب النظري، مثلا. ولاعبو الشطرنج. وعلماء الرياضيات. ومن ثم هناك بقيتنا ممن يتحسرون على عدم قدرتنا على إحراز تقدم في أهداف مهمة وطويلة الأجل أو مشاريع صعبة. بل نميل إلى تجاهل المهمة التي نحن بصددها، ونقوم بتحديث متصفح البريد الإلكتروني، أو موقع تويتر أو هذا الموقع غريزيا.
عند نشره أوائل 2016، قدم كتاب العمل العميق نصائح حول طرق زيادة التركيز، والقضاء على وسائل التواصل الاجتماعي وصقل الملل، ما يمنح العقل المساحة للتفكير الإبداعي. تثير كثير من النصائح الواردة في الكتاب الشعور بالرضا نفسه عن إعادة تنظيم المنزل من أعلى إلى أسفل أو اليوم الأول من نظام الحمية في العام الجديد. إذ توفر إحساسا بالسيطرة، في هذه الحالة ليس على الفوضى أو الذات، بل على الوقت.
لم يكن نيوبورت ولا، على ما يبدو، ناشره، الذي يحمل علامة شركة هاشيتي، يعتمد على المبيعات الكبيرة. كان نيوبورت حينها أستاذا مساعدا، لديه سيرة ذاتية عريقة، لكنه كافح في عالم النشر. في الكلية، وكطالب دراسات عليا، ألف كتبا لإرشاد الطلاب بعناوين قوية مثل كيف تفوز في الكلية. لكن مع تقدمه في العمر خارج الفئة العمرية التي كان يكتب من أجلها، كافح للعثور على جمهور أوسع. محاولته الأولى للكتابة من أجل القراء الأكبر سنا، دليل مهني بعنوان "جيد لدرجة لا يمكنهم تجاهلك"، لم ترق إلى مستوى التوقعات. عرض علية دفعة أقل للكتاب الذي تبع ذلك.
لم يستثمر ناشر نيوبورت أي أموال في حملة دعائية لكتاب "العمل العميق" - حيث اختار تدشين صامت، على حد تعبيره - لذلك قرر المؤلف الترويج له بنفسه. قام بالاطلاع على كتاب المساعدة الذاتية حول أسرار نشر الكتب الأكثر مبيعا، ثم قام بالترويج لكتابه على موقعه، ورسائله الإخبارية وأي موقع ويب أو بودكاست يمكنه العثور عليه. أسبوعا بعد أسبوع، بدأت المبيعات الارتفاع. حتى العام الماضي، باع الكتاب أكثر من 1.25 مليون نسخة. بعد نجاح كتاب العمل العميق، انطلقت أيضا مبيعات كتاب "جيد لدرجة لا يمكنهم تجاهلك"، ما مهد الطريق لكتابين إضافيين. يحدد كتاب "البساطة الرقمية"، الذي نشر في 2019، طرق "التخلص من السموم الرقمية" لإصلاح أدمغتنا المدمنة على المحتوى ويعد الكتاب الذي نشر في 2021 بعنوان "العالم دون بريد إلكتروني عالم جدلي".
أخبرتني لوري أبكمير، وكيلة نيوبورت منذ فترة طويلة، أن كتبه كانت دائما تدور حول الشيء نفسه، "اعمل بذكاء، وليس بجد". لم يكن أفضل الطلاب في كلية أيفي ليج، كما لاحظ نيوبورت في أحد أعماله السابقة، من أولئك الذين يمكثون في المكتبة طوال الوقت، بل أولئك الذين تمكنوا من اقتطاع وقت للمتعة والذين ميزوا بوضوح بين العمل وغير العمل.
في الآونة الأخيرة، دعا إلى مبدأ مشابه، أنه من الممكن تحقيق التوازن بين النجاح المهني وبين الأسرة، والأصدقاء والمساعي الشخصية - وأن القرارات المهنية الكبيرة ينبغي أن تتخذ مع التفكير في هذه الأشياء الأخرى. ينصح نيوبورت بعدم قبول الترقيات التي تتطلب وقتا طويلا وتتضمن ساعات عمل مزدحمة وتبدو جيدة على الورق. بل اقبل بالوظيفة التي تسمح لك بدعم أهداف أسلوب حياتك، سواء كانت أن تسافر وتشاهد العالم، أو أن تأخذ إجازة صيفية أو ساعات تتيح لك قضاء مزيد من الوقت مع العائلة.
في الأيام التي لا يقوم فيها نيوبورت بالتدريس، فإنه يحب أن يقسم يومه إلى قسمين. القسم الأول للعمل العميق، الذي يتطلب أعلى قدرا من الإدراك المعرفي، والثاني للعمل الذي يتطلب قوة معرفية أقل بقليل. نادرا ما يركز القسمان على الشيء نفسه، فرق أساس يسمح له بإحراز تقدم تدريجي على جبهات متعددة. عادة ما ينهي يومه نحو الساعة الخامسة مساء ويحاول تجنب النظر إلى البريد الإلكتروني خارج ساعات العمل العادية. في الصباح، بعد أن يوصل أطفاله إلى حافلة المدرسة، يقرأ مفكرته "ليرى ما لديه اليوم". قال، "إذا لم أفعل ذلك، فسأفقد 50 في المائة من قدرتي على إنتاج الأشياء".
استجوبت نيوبورت حول كيفية إضافة مزيد من "العمل العميق" إلى "فاينانشيال تايمز" (بإتباع وصفته: ساعات أقل على موقع تويتر، ومقاطعة منصة سلاك)، ثم مشينا إلى مكتب قريب ذي واجهة زجاجية حوله نيوبورت إلى استوديو تسجيل. كان منتجه، جيسي، موجودا هناك بالفعل.
كانا يخططان لتجربة استضافة مناقشات فيديو حية مع المتصلين، تتخللها صيغة الحلقة التقليدية التي تكون إلى حد كبير من تحدث نيوبورت وحده عن مجموعة من الموضوعات التي تشدك إلى المحتوى، مثل ("التغلب على شلل قائمة المهام" و"كيفية تنظيم حياتك بخطة قيم محسنة" و"أربع نصائح لتصبح شخصا أكثر انضباطا".) كانت تلك هي المرة الأولى التي يجربون فيها هذه التكنولوجيا، وكان نيوبورت متشككا في أمرها، وإن كان متفائلا بشكل مميز. قال بمرح، "قد يكون الأمر، بالمناسبة، كارثة كاملة".
بعد الذهاب إلى الحمام لتغيير قميص بولو إلى قميص رسمي، جلس أمام الميكروفون للتحدث إلى المتصل الأول، شاب عمل بدوام كامل في التمويل، لكنه حصل أخيرا على منحة دراسية لمتابعة درجة الماجستير. كانت الدورة ذاتية الدراسة، لذلك كان يعتقد أنه يمكنه أن يوازن الدورة مع وظيفته والالتزامات الأخرى. لكن بعد أسبوعين، كان يعاني.
استمع نيوبورت باهتمام. وقال إنه يبدو أن المتصل بحاجة إلى اتباع نهج أكثر تركيزا على التقويم في حياته. "النهج الذي يركز على السيرة الذاتية يكون على هذا النحو، أوه، سيكون من الرائع حقا إذا حصلت على هذه الدرجة. وسيكون من الرائع حقا لو كتبت رواية. إذن لماذا لا أفعل هذا؟ أوه، أريد أن أجري في سباق ماراثون. سيبدو ذلك رائعا. يجب أن أبدأ التدريب لسباق الماراثون". وعلى النقيض من ذلك، تابع نيوبورت، "أما النهج الذي يركز على التقويم في حياتك يدور حول النظر إلى الوقت المتاح لديك، (عبر سؤال نفسك) هل يبدو هذا مستداما؟".
أومأ المتصل إليه. وتابع نيوبورت، "هكذا، بالمناسبة، أتعامل مع حياتي. أشعر بشعور القلق نفسه داخلي عندما أحدق في التقويم الخاص بي ويكون فوضويا. زوجتي تعرف هذا. هذا ما تطلق عليه اسم متلازمة صباح الإثنين، عندما أقوم بوضع خطة أسبوعية صباح الإثنين في فترة أصبح فيها جدولي معقدا للغاية، أشعر بالسوء، لأنني مجبر على التحديق في التقويم، ولا يوجد وقت لأي شيء. ولا شيء يجعلني أكثر تعاسة من هذا". يتوقف عن التحدث. "علينا أن نثق بذلك الشعور".
كان التالي على الخط مبرمج روبوتات يوناني يبلغ من العمر 34 عاما حيث اتصل من وادي السيليكون. وكان قد انتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على درجة الدكتوراه واستخدم كتاب نيوبورت "جيد لدرجة لا يمكنهم تجاهلك"، كخريطة طريق لكي يحقق التميز في مسيرته المهنية، وكان يميل إلى جانب البرامج سريعة التطور في الروبوتات، وفي النهاية ترك الأوساط الأكاديمية واتجه إلى العمل في سلسلة من الشركات الناشئة. وهو الآن يعمل في واحدة من أفضل شركات السيارات ذاتية القيادة في سان فرانسيسكو، حيث حصل على تقييمات عالية الأداء وكان في طريقه للحصول على ترقية. وقد تجنب ما يسميه نيوبورت "الفخ الأول للتحكم" - في محاولة للحصول على مزيد من الاستقلالية في عمله قبل أن تتكون لديه المؤهلات المهنية لدعمها. لكنه كان قلقا من أنه الآن يسقط في الفخ الثاني، وظيفته كانت تسير على ما يرام لدرجة يصعب تركها.
قال، "شعرت بالحماس الشديد بشأن الأداء والترقيات والتعويضات والتقدير لدرجة أنني أصبحت مشغولا نوعا ما". كثير من وقته الآن يقضيه في الرد على الرسائل على تطبيق سلاك أو إصلاح الأخطاء قصيرة المدى، بدلا من القيام بهندسة البرمجيات التي كان يستمتع بها. مع ذلك، فكرة ترك العمل الآن تبدو صعبة. أضاف، "لدي كثير من المسؤوليات. إن الأجر الذي أحصل عليه جيد جدا بحيث لا يمكنني تجاهله، إن شئت القول".
كان لدى نيوبورت حلان، أنه يجب على المبرمج التحدث إلى مديره حول تحديد نسبة أفضل بين العمل العميق والسطحي أو التفاعلي. بعد ذلك، يجب أن يفكر بعمق في مستقبله، وأن يتخيل كيف ستبدو حياته المثالية في سن الـ40 والـ50 - ليس فقط من حيث وظيفته، لكن بشكل عام. حيث قال له نيوبورت، "استشعر بها، وانظر إليها، وتذوقها، كما نحب أن نقول. ثم انظر إلى الوراء وقل، كيف أصل إلى هناك؟".
نيوبورت هو أحد الخبراء العديدين الذي يسعون إلى معالجة بعض التناقضات التي تعانيها الطبقة المحترفة من العاملين من أصحاب المعرفة، أو كما يصفهم بالأشخاص الذين "يستخدمون عقولهم لكسب لقمة العيش". كان هنري فورد ينظر في "متوسط دقائق العمل للرجل لكل طراز تي يتم صنعه"، كما أشار نيوبورت، وقد خصص العمال لخطوط التجميع بحيث يعملون بشكل مستمر لمدة ثماني ساعات في اليوم. لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى العاملين من أصحاب المعرفة. نظرا إلى أن الشركات فشلت في معرفة كيفية قياس وتقدير إنتاجيتهم، قال، "كان التراجع عبارة عن إنتاجية وهمية"، التي كانت عبارة عن، حسنا، دعنا فقط نستخدم كلمة النشاط كمؤشر للإنتاجية". هذه مشكلة لأن النشاط المكثف والمطول يؤدي في الواقع إلى إنتاجية أقل، وكذلك الإرهاق.
إن عديدا من الأدوات الرقمية التي تم تقديمها في الأعوام الأخيرة جعلت الأمور أسوأ. فعلى الرغم من أن التحقق من رسالة بريد إلكتروني واردة أو رسالة عبر تطبيق سلاك، قد يستغرق لحظة واحدة، إلا أن الإلهاء اللحظي يمكن أن يحيد بعقلك بشكل خطير عن المهمة التي كان يعمل عليها، ما يجعل من الصعب العودة إلى التركيز. أخبرني أحد كبار الشركاء في إحدى الشركات الاستشارية الكبرى الأربع الذي يعرف بأنه أحد المعجبين بنيوبورت أنه شاهد شركته لم تفعل شيئا حيال "الاجتماعات الرديئة التي تفتقر إلى التركيز، وعدد كبير جدا من الأشخاص، وعرض ضعيف وطويل للشرائح على باور بوينت" عبر تطبيق زووم، حيث كان عديد من المشاركين غير متفاعلين معه ومشغولين بمهام أخرى. جميع الاجتماعات الداخلية تضر فقط بقدرة الشركة على خدمة عملائها. قال لي "إن عملنا يتطلب تفكيرا عميقا (...) وهو مقابل ما يدفعه عملاؤنا لنا من الرسوم العالية جدا!". تبدأ وجهات النظر في التدفق فعلا بعد 45 دقيقة من الاستيعاب المتعمق".
لمواجهة ذلك، قال الشريك إنه أصبح "مقاوما سلبيا"، حيث قام بمنع الأوقات التي لا اجتماعات فيها لمدة ثلاث ساعات من أجل العمل الحقيقي والضغط من أجل الاجتماعات الحيوية أو وضعها في استفسارات مكتوبة بدلا من ذلك. وبسبب أقدميته في الشركة، تمكن من الإفلات من التبعات. أما زملاؤه الآخرون فلم يحالفهم الحظ. قال، "أعتقد حقا أن جودة عملنا أصبحت أقل بكثير مما كانت عليه قبل 15عاما. لكن الناس يعملون بجهد أكبر، وهم أكثر انشغالا وبالتأكيد أكثر تعبا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES