FINANCIAL TIMES

أخطاء «الفيدرالي» جعلت مخاطر انهيار «سيليكون فالي» كبيرة

أخطاء «الفيدرالي» جعلت مخاطر انهيار «سيليكون فالي» كبيرة

أصبح مصير البنك الذي كان حتى الأسبوع الماضي غير معروف خارج عالم التكنولوجيا، مصدر قلق كبير للسياسة في عطلة نهاية الأسبوع، وليس فقط داخل الولايات المتحدة.
بالمعنى المحدود، يبين ذلك أنه حتى البنوك التي تبدو صغيرة يمكن أن تشكل مخاطر نظامية. أما بالمعنى الأوسع، فإنه يمثل المعضلة الثلاثية المتأصلة في تغيير النظام الجاري للسياسة النقدية. وبالتحديد، التحدي الذي يواجهه الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة وجزئية التوظيف في مهمته المزدوجة التي حددها له الكونجرس، مع ضمان استقرار النظام المالي في الوقت نفسه.
بعبارات بسيطة، نتجت هشاشة بنك سيليكون فالي من العاصفة التي قوضت كلا من السيولة وميزانيته العمومية. وعلى وجه التحديد، أصبح البنك مكشوفا لمزيج من قاعدة الودائع المركزة وتآكل القيمة السوقية للأصول الآمنة التي عوضت هذا الالتزام جزئيا.
كانت الشرارة التي أدت إلى حالة عدم الاستقرار الحالي هي الحاجة إلى تغطية الخسائر على السندات، الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة. كما كان هناك بعض الضجيج حول جودة سجل القروض، نظرا لأن أطرافا من قطاع التكنولوجيا كانت ترزح تحت الضغط. وكان العامل الذي تسبب في انتشار عدم الاستقرار هو هروب المودعين حين سارع مزيد من أصحاب شركات التكنولوجيا ورواد الأعمال لسحب أموالهم من البنك المتعثر.
قرر المنظمون، على نحو غير مألوف، تعليق عمليات بنك سيليكون فالي يوم الجمعة خلال ساعات العمل، الأمر الذي أدى إلى أكبر صدمة بنكية منفردة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. وبالقيمة الاسمية، تعد ثاني أكبر صدمة في تاريخ الولايات المتحدة. كانت عطلة نهاية الأسبوع مليئة بالأحاديث التي تدور حول كيفية إدارة الودائع، وإذا ما كانت بعض الشركات التي تحتفظ بأموال نقدية في بنك سيليكون فالي ستتمكن حتى من تغطية جدول رواتبها الأسبوع المقبل، إضافة إلى التكهنات بشأن التأثير الأوسع في الصناعة.
التحدي المباشر الذي يواجه صناع السياسات هو كيفية موازنة مجموعة من المخاطر الرئيسة في عملية اتخاذ قرار بشأن بنك سيليكون فالي.
أولا، هناك خطر أخلاقي يأتي من ضمان تعويض جميع المودعين عن كل الأموال التي يحتفظون بها في بنك سيليكون فالي. لكن إذا لم يفعلوا ذلك، فسيتعين على صانعي السياسة النظر في المخاطر التي تتعرض لها الودائع في البنوك الصغيرة والإقليمية الأخرى، إضافة إلى التأثير في النظام البيئي للشركات الناشئة في الولايات المتحدة وخارجها.
ثانيا، هناك مخاطر التركز التي ترتبط بالتدفق الإضافي للأعمال إلى أكبر البنوك إذا تم إغلاق بنك سيليكون فالي نهائيا، أو الاستحواذ عليه، بما في ذلك المؤسسات التي تعد أكبر من أن تفشل. هذا من شأنه أن يثير مخاوف بشأن المنافسة في الخدمات المصرفية لصناعة التكنولوجيا، وهي من القطاعات المهمة في الاقتصاد.
ثالثا، هناك مخاطر السياسة إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيركز على التحفيز النقدي بينما لا يزال التضخم يمثل مشكلة.
ما يجعل هذا الوقت حساسا بشكل خاص هو أن التحدي في سياسة بنك سيليكون فالي يجلب أيضا القضايا الأوسع إلى المقدمة. لنبدأ بالأخبار السارة. فعلى الرغم من تعقيدات ملحمة بنك سيليكون فالي، فإن خطر تكرار الأزمة المصرفية النظامية لعام 2008 ضئيل بافتراض حدوث استجابات سياسية مناسبة. فقبل كل شيء، أصبح النظام المصرفي برمته الآن أفضل من حيث الرسملة والإشراف. ولديه قاعدة ودائع وقروض متنوعة أكثر بكثير من قاعدة بنك سيليكون فالي.
أما الخبر السيئ فهو أن بنك سيليكون فالي كشف عن التهديد الذي يشكله سعر الفائدة ومخاطر الائتمان للكيانات في القطاع المصرفي، والأهم من ذلك، ما وراء هذه الكيانات. وهو تهديد أكثر وضوحا بالنظر إلى العامين الماضيين من أخطاء سياسة الاحتياطي الفيدرالي في الاستجابة للتضخم. يشمل ذلك التشخيص الخاطئ للتضخم على أنه "عابر" معظم الوقت في عام 2021، ثم استجابة السياسة الخجولة في البداية، التي أدت لاحقا إلى الحاجة إلى أربع زيادات سريعة متتالية في سعر الفائدة تبلغ كل منها 0.75 نقطة مئوية. وجاء هذا بعد فترة طويلة للغاية من السياسات النقدية "غير التقليدية" والفضفاضة للغاية.
مع وضع ذلك في الحسبان، فإن أفضل طريقة للمضي قدما بالنسبة إلى الاحتياطي الفيدرالي في نهاية هذا الأسبوع هي المساعدة على حل مشكلة بنك سيليكون فالي العاجلة من خلال موازنة المخاطر بالطريقة التالية: يجب أن يتسامح مع تركز أكبر للنظام المصرفي، والسعي لاحتواء المخاطر الأخلاقية مع دعم عام جزئي للودائع، وتشجيع البنوك الأكبر التي تستحوذ على ودائع بنك سيليكون فالي وخطوط الأعمال، لتقديم مزيد من المساعدة للمودعين. كما يجب على الاحتياطي الفيدرالي مقاومة أي تخفيف لموقفه من سعر الفائدة في الوقت الذي ينبغي له أن يحارب التضخم.
هذا بالطبع ليس حلا مثاليا، لكنه الأفضل في هذه الفجوة التي أوجدها الاحتياطي الفيدرالي بنفسه إلى حد كبير، التي تتمثل في الغوص بعمق في عالم ثاني "أفضل السياسات".

*رئيس كلية كوينز-جامعة كامبريدج ومستشار اقتصادي

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES