ثقافة وفنون

"حقيقة قوس قزح".. الروائي في لحظة الانهزام الكبرى

"حقيقة قوس قزح".. الروائي في لحظة الانهزام الكبرى

"ليست هناك لحظة مناسبة في التعامل مع عواطفنا".

"حقيقة قوس قزح".. الروائي في لحظة الانهزام الكبرى

يمر كل روائي بغصة تسمى "حبسة الكتابة"، يشعر أنه يختنق بالكلمات، وفي عبارة أخرى، شبح ثقيل يمنعه عن الكتابة، حالة مريعة من عدم وجود أفكار تثير قريحة القلم، لتشكل أزمة وحالة من العجز المؤقت.
كيف نتخلص من الحبسة؟ وما أعراضها؟ هذه التساؤلات وأخرى أعادت طرحها الرواية "حقيقة قوس قزح"، للروائي السعودي علوان السهيمي، التي تطلعنا على حياة الروائي، ومعاناته مع الأفكار، والدهشة التي يبحث عنها في نهايتها، مع مساحة يفردها بنكهة أدب الرسائل، وهنا تكمن متعة الرواية.

حبسة الكتابة
يوصلنا علوان إلى لحظة الانهزام الكبرى، حينما يعجز الكاتب عن إنجاب أفكار حية تستحق الكتابة، وينقل عن بطل الرواية ياسر شعوره بالعجز، فجأة لم يعد قادرا على كتابة حرف واحد رغم أنه كتب روايتين من قبل، يبدو اليوم كرجل تراكمت عليه ديون ولم يعد بوسعه سدادها، إنه شيء أشبه بالحلم الذي تكون فيه عاجزا عن فعل أي شيء مهما بدا سهلا أمامك.
عصر بطل روايتنا مخه كثيرا منتظرا أن تهبط عليه فكرة من السماء تستحق الخلود، وقدم له صديقه شقة خاصة في بناية للعائلات، دون أن يدفع فيها قرشا واحدا، شريطة أن يكتب روايته الجديدة هناك بكل هدوء وسكينة، بعد أن أصابته "حبسة الكتابة"، الحالة النفسية التي تقف بالكاتب مكتوف الأيدي، ويمر بها كل الكتاب والشعراء، ويحكى أن الفرزدق كان إذا صعب عليه الشعر ركب ناقته وطاف بها منفردا بين الشعاب والجبال، حتى ينقاد له الشعر.

كيف يحيا الروائي؟
تتقاطع الحقيقة والكذب في رواية "حقيقة قوس قزح"، وتضعنا في أجواء حياة الروائي، يمضي باحثا عن خاتمة مناسبة لفصول روايته، ويشبع قليلا من الفضول الذي يغلف حياة الروائيين، فها هي جارته تقول في إحدى رسائلها "السرية" للروائي: في المجمل ما قرأته كان جميلا، جميل لأنه صور لي حياة الكتاب، وأجاب عن أسئلة فضولية دائما ما كنت أطرحها بيني وبين نفسي عن يوميات الكتاب، وكيف يقضون حياتهم بعيدا عن الكتابة".
يخشى الروائي على نفسه من النسيان، وبقدرة سردية مذهلة يخوض بنا علوان السهيمي إلى دهاليز هذا العالم، ورحلة البحث الشاقة عن فكرة لا تموت يخلدها بروايته، لكن، أهذه هي حياة الروائيين في حقيقتها؟ لا يمكن الجزم بذلك.

قناعات الكاتب
الحكاية رغم بساطتها، تدور في نص متماسك، ولغتها تصل إلى القارئ بسهولة، خالية من التعقيد والألفاظ الكبيرة، كتبها السهيمي في خط تصاعدي من التشويق.
عن حبسة الكتابة يقول الكاتب الروائي الأمريكي بن ماركوس، "تحدث حينما تكون الكتابة واجبا لا رغبة.. هناك كثير من الأشياء لم تقرأ بما يكفي، لذلك لا أحاول حل هذا الصمت"، وفي رواية السهيمي، نقف على تفاصيل تلك الأزمة، نقلا عن روائي يعيش في تبوك.
كما يتصدى علوان السهيمي لفكرة أن الكتابة محصورة بأناس معينين، ويقول في روايته، "أتصور بأن كل إنسان هو كاتب بطريقة ما، فالكتابة لا تعني أن تمسك قلما وتخط به على الورق، إنما الكتابة هي أن تترك أثرا في نفوس الناس".

فلسفة للحياة
تقف بنا الراوية، الصادرة عن دار ميلاد وتقع في 282 صفحة، على العلاقة بين الرجل والمرأة، إذ يرد على لسان نجمها الرئيس بأن كل رجل خلق لامرأة معينة، وكل امرأة خلقت لرجل معين، ومن الصعب القفز على الطبيعة وحتمية الأشياء.
نص رواية "حقيقة قوس قزح" كتب بمشاعر محب للحياة، يدور في فلسفة الحياة والمشاعر من منظور الكاتب، مثل قوله "ليس هناك لحظة مناسبة في التعامل مع عواطفنا، إنما ينبغي أن نبادر لقول ما في دواخلنا تجاه من نحبهم، لأن الحياة غير عادلة، وغير متوقعة أيضا".
في السياق ذاته، يقدم علوان السهيمي وصفة صادقة للحياة، يدعونا إلى أن نتذكر مواقف النبل حينما نمر بتجارب قاسية، ودون قائلا إن كنا نعتقد بأن الحياة بيضاء في كل جوانبها، فنحن ننسى الشيطان، النار، الطغاة، القتلة، المجرمين، وأولئك الأشخاص الذين لديهم نزعة من الغرور، وإن كنا نفترض أنها سوداء على الدوام، فنحن بكل تأكيد لا نلقي بالا للجنة، والأخيار، الأنبياء، المحبين، الفنانين، الموسيقى، الأزهار، الفتيات الجميلات، والإنسان الحر والصادق، إنها الحياة، خليط من كل شيء.

زمن الرسائل
تعيدنا رواية "حقيقة قوس قزح" إلى زمن قديم كانت الرسائل غير الإلكترونية هي وسيلة التواصل بين الأصدقاء، فضلا عن المحبين، وفيها بوح عن مكنونات الصدر، تتجلى في الرواية برسائل متبادلة بين روائي وجارته الحسناء، ياسر وزهراء، تعيدنا إلى فكرة رسائل غادة السمان وغسان كنفاني، أو رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران التي جسدت علاقة استمرت 20 عاما دون أن يلتقيا ولو لمرة واحدة.
لكن الطريق لا يبدو مفروشا بالورود، ففي الرواية استمرأ نجمها ياسر الكذب، وبات يكتب رسائله إلى جارته بكذبة تلو الأخرى، دون أن يشعر بوخز الضمير، في أسلوب شائق يدعوك إلى متابعة القراءة، حيث إن بطل الرواية الدكتور ياسر، وهو عضو هيئة تدريس في إحدى الجامعات، يتظاهر بأنه شخص آخر، يجد نفسه يختار الكذب في كل مرة يجيب عن تساؤلات جارته المتعلقة بحياته الشخصية، فهو المتزوج ووالد لطفلين، فيما يقدم نفسه لجارته على أنه أعزب، يعمل معلما للصبيان، فهل يقع متلبسا بكذبته؟

يشبع الفضول
في صنف أدبي فريد، رواية علوان السهيمي في حقيقتها روايتان، ففي الكتاب - وبطريقة تشبع فضول القارئ - يورد الرواية الأصلية بما تحمله من معان ورسائل متبادلة وقصة رئيسة، وكذلك يرفق مسودة الرواية التي كان يكتبها البطل - الدكتور ياسر النبهاني - أثناء إقامته في الشقة التي قدمها له صديقه أمجد، وهي رواية "الحاضنة" التي كان يتشاركها مع جارته الممرضة زهراء، إذ كان يمرر فصولها واحدا تلو الآخر لها، ويتبادلان الرسائل الورقية.
لعلوان السهيمي أربع روايات سابقة ومجموعة قصصية بعنوان "قبلة وأشياء أخرى"، إذ صدرت أولى رواياته "الدود" في 2007، تلاها رواية "الأرض لا تحابي أحدا"، ثم "القار"، و"حياة بنصف وجه".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون