FINANCIAL TIMES

«صيدلية العالم» بحاجة إلى تعقيم .. أدوية ملوثة بزيوت التشحيم

«صيدلية العالم» بحاجة إلى تعقيم .. أدوية ملوثة بزيوت التشحيم

أدوية السعال الأربعة التي أعلنت الصحة العالمية في أكتوبر عدم استيفائها للمعايير المطلوبة.

عندما سقطت أداما، ابنة إبراهيما سيدي، البالغة ثلاثة أعوام، مريضة في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، وصف لها طبيبها دواء عاما يحمل اسم بروميثازين. بعد تسعة أيام، توفيت في المشفى ضحية لما أصبح إحدى أسوأ فضائح العالم المتعلقة ببيع الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية.
توفي 70 طفلا جامبيا على الأقل تحت عمر السابعة ممن أخذوا البروميثازين أو أدوية مشابهة، نتيجة إصابات حادة في الكلى، خلال الفترة بين حزيران (يونيو) وتشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وفقا لتقرير مشترك صدر عن منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في جامبيا.
أثارت وفياتهم مخاوف من ضوابط الجودة في الهند، التي تطلق على نفسها صيدلية العالم، إضافة إلى وكالات التنظيم التي تعاني نقصا في الموارد في الدول منخفضة الدخل. "سألت نفسي ألف سؤال وسؤال، كيف سمحت الحكومة لهذا أن يحدث"، كما قال سيدي، مصمم الجرافيك الذي يبلغ 31 عاما، ودموعه تنهمر.
تورد الهند التي تسيطر على 20 في المائة من السوق العالمية للأدوية البديلة، أكثر من 50 في المائة من الأدوية البديلة التي تباع في إفريقيا، بحسب "إنفست إنديا"، وكالة ترويج وتسهيل الاستثمار الوطنية التابعة للحكومة الهندية.
أظهر تقرير في كانون الأول (ديسمبر) من لجنة خاصة بالصحة في البرلمان الجامبي أن الأطفال الذين توفوا وصف لهم على الأقل واحد من أربعة أدوية -محلول بروميثازين يؤخذ عن طريق الفم، وشراب كوفيكسمالين للكحة للأطفال، وشراب ماكوف للكحة للأطفال، وشراب ماجريب إن كولد- المستوردة إلى جامبيا عن طريق "أتلانتك فارمسي" وهي من صنع "مايدين" الهندية للأدوية. مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة ربطت الشهر الماضي الوفيات الجامبية بمايدين، مبينة أن الأدوية التي على هيئة شراب "استوردت من مصنع هندي واحد".
"مايدين" التي تعمل في هذا المجال منذ 1990 وتورد إلى آسيا وإفريقيا وشرق أوروبا والشرق الأوسط وروسيا، لم تستجب لطلبات التعليق على الموضوع. ولم يتسن الوصول إلى "أتلانتك فارمسي" التي تستورد الأدوية من "مايدين" منذ 2019 للتعليق هي الأخرى.
أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرا في تشرين الأول (أكتوبر) بشأن المنتجات الأربعة التي تصنعها "مايدين" ولا تستوفي المعايير المطلوبة. قالت "إن الأدوية احتوت على مستويات غير مقبولة من مواد كيميائية سامة مستخدمة في مضادات التجمد وزيوت التشحيم".
تم العثور على هذه المواد الكيميائية أيضا في أدوية صنعتها "ماريون بايوتيك" الهندية وبيعت في أوزبكستان، وفقا لمسؤولين أوزبكيين. توفي 18 طفلا على الأقل واعتقل أربعة أشخاص. لم تستجب "ماريون بايوتيك"، التي من المتوقع أن تخسر رخصتها، لطلبات التعليق.
هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها "مايدين" مشكلات بشأن أدويتها. أدينت من محكمة في ولاية هاريانا شمالي الهند في شباط (فبراير) لتصنيعها أدوية رانيتيدين "دواء مضاد للحموضة" لا تستوفي المعايير المطلوبة. الحكم معلق بانتظار الاستئناف. حكمت محكمة هندية الشهر الماضي على مسؤولين تنفيذيين من "مايدين"، أدرجا في القائمة السوداء لإدارة الأدوية الفيتنامية في 2014، بالسجن عامين ونصف لدورهما في تصدير الأدوية إلى فيتنام.
قال براشانت ريدي، محام ومؤلف مشارك لكتاب "دواء الحقيقة" الذي يتحدث عن إطار تنظيم الأدوية في الهند، "إذا كان للشركة سجل سيئ، فلماذا لا تزال تصنع الأدوية؟"، وأضاف "تحت القانون الهندي، من المفترض أن يكون هناك تفتيش سنوي للتأكد من أن شركات صنع الأدوية تتقيد بممارسات التصنيع الجيدة. كيف لم يمسكوا بهذا؟".
قال الطبيب في جي سوماني، المراقب العام للأدوية في الهند، في رسالة إلى منظمة الصحة العالمية بعد تحذيرها بشأن أدوية الكحة التي على هيئة شراب، "إن الرواية التي روجت لها وسائل الإعلام العالمي أثرت سلبا في صورة المنتجات الدوائية الهندية حول العالم"، مشيرا إلى أن الأدوية الأربعة الملومة على موت الأطفال في جامبيا تم اختبارها في مختبر حكومي ولم توجد فيها أي مواد سامة.
بالنسبة إلى بعضهم، لم يكن هذا الرد كافيا. "كيف تدعي أنك صيدلية العالم ثم ترفض تحمل أي جزء من المسؤولية عندما تحدث هذه الوفيات؟"، كما قال ريدي. "هذه الحكومة تتعامل مع كل شيء على أنه مشكلة علاقات عامة لا مشكلة صحة عامة".
في اجتماع لشركات صنع الأدوية والمنظمين في شباط (فبراير)، طلب مانسوك ماندافيا، وزير الصحة الهندي، من المشاركين "العمل بثبات لجعل نظام الأدوية الهندي من بين الأفضل في العالم".
على الجانب الجامبي، أقرت وكالة مراقبة الأدوية في البلاد أمام البرلمان أن الدولة ليس لديها مختبر لضبط الجودة واعتمدت على شهادات التحليل المقدمة من شركات التصنيع.
يعني غياب الفحوصات الكافية "أننا معتمدون على الافتراضات حسنة النية بأن المستوردين الجامبيين سيشترون الأدوية من شركات ذات سمعة موثوقة"، حسبما قال ساليو تال، رئيس نقابة المحامين في جامبيا.
وأضاف "إذا كنت تستورد من العالم الغربي فإن التنظيمات الموجودة تحميك"، مشيرا إلى أن الأدوية التي تشحن إلى الولايات المتحدة يجب أن تلبي معايير تنظيمية هناك. سبق أن أوقف المنظمون الأمريكيون والأوروبيون، الذين باستطاعتهم تفتيش مصانع الأدوية في الهند قبل منحها رخصة التوريد، شركات هندية في الماضي.
"عندما يتعلق الأمر بإفريقيا والدول الأخرى في جنوب العالم، النظام متساهل للغاية"، كما قال تال.
يزعم تال أيضا أن هناك تضاربا في المصالح في وكالة جامبيا لمراقبة الأدوية، قائلا "إن المنظمين يقدمون أيضا رخص التوريد للموردين مقابل رسوم".
قالت كلية الصيادلة للدراسات العليا في غرب إفريقيا، هيئة إقليمية، "إن هناك تضاربا في المصالح، لأن الموظفين في الجهاز المنظم لديهم علاقات تجارية مع القطاع الخاص"، لكنها ذكرت أن هذا التضارب تم "علاجه" دون تقديم تفاصيل عن كيفية ذلك. لم ترد وكالة مراقبة الأدوية على طلبات التعليق.
أثار الافتقار إلى التنظيم والنقص الملحوظ في جامبيا للاستجابة الكافية غضب الآباء.
إبراهيما سانيا، مصرفي يبلغ من العمر 42 عاما وسائق سيارة أجرة بدوام جزئي في أيام عطلة الأسبوع، فقد ابنه لامين الذي يبلغ من العمر ثلاثة أعوام بسبب إصابة حادة في الكلى في 13 أيلول (سبتمبر) 2022.
عرض سانيا لـ"فاينانشيال تايمز" شيكا بمبلغ 14285 دالاسي "234 دولارا" تلقاه هدية من حكومة المقاطعة. رفض هو وعائلات أخرى العرض. وقال "نحن نناضل من أجل العدالة وليس المال".
بالنسبة إلى سيدي، فقدان ابنته أداما أمر عليه أن يعيش معه كل يوم. "لقد كانت ذكية وفطنة وكانت علاقتي بأطفالي مرحة. تشاركنا علاقة إيجابية للغاية، والآن أختها التوأم تسأل دائما عن مكان توأمها".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES