FINANCIAL TIMES

العمل عن بعد كزيادة 5 % في الراتب

العمل عن بعد كزيادة 5 % في الراتب

ردا على سؤال في المنتدى الاقتصادي العالمي لتلخيص مستقبل العمل، قال ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت: "ما زلنا نتعلم، لأنه جرى تغيير هيكلي حقيقي (...) هناك أنماط عمل جديدة تظهر لدينا". وكان يشير بذلك إلى الذكاء الاصطناعي، لكن أيضا إلى تبعات الجائحة.
زرعت البذور في عمليات الإغلاق الأولى في 2020، حيث رجع العاملون ذوو الياقات البيضاء للعمل من منازلهم، بينما وجد عديد من العاملين في الوظائف الخدمية أنفسهم مصنفين على أنهم "أساسيون". ظهرت التداعيات بعد فترة طويلة من انفتاح العالم مرة أخرى، وذلك يتجلى بوضوح في الخلافات حول العمل في المكتب، ونقص المهارات، والإجراء الصناعي حول مسألة الأجور والشروط.
يقول بيتر تشيز، الرئيس التنفيذي لمعهد تشارترد للأفراد والتنمية، وهو الهيئة البريطانية للعاملين في الموارد البشرية: "إننا في مرحلة تغيير حقيقي. لقد كنا بحاجة إليها. فبالكاد تغيرت ممارسات العمل لدينا منذ النهضة الصناعية".
على ما يبدو فإن هذه الخلافات ستستمر بعض الوقت، ليس أقلها حول الدور الذي يلعبه المكتب، إذ توجد لدى عديد من قادة الأعمال رغبة خفية في عودة الموظفين إلى مكاتب شركاتهم.
تقول ليندا جراتون، أستاذة الممارسة الإدارية في كلية لندن للأعمال ومؤلفة كتاب (إعادة تصميم العمل)، إنها اعتقدت أنه عندما يتعلق الأمر بالنموذج الهجين للعمل "فسنكون قد انتهينا من الأمر الآن. لكنها عملية تصميمية. نحن نمر في حالة الاختبار. ما زلنا في فترة التجريب (...) لكن اكتشاف ذلك سيستغرق وقتا، ربما أطول مما توقعنا".
وفق ما جاء في استطلاع اتجاهات رأس المال البشري العالمي الذي أجرته شركة ديلويت اخيرا، فإن 87 في المائة من قادة الشركات "يعتقدون أن تطوير النموذج المناسب لمكان العمل هو مسألة مهمة أو بالغة الأهمية لنجاح مؤسستهم". بينما يشعر 24 في المائة منهم فقط أنهم مستعدون لذلك.
إن الرغبة في إعادة الناس إلى المكتب مدفوعة جزئيا بالمخاوف من أن العاملين لن يكونوا منتجين في المنزل، ما أدى إلى زيادة مراقبة العمل عن بعد وتشجيع الإدارة التفصيلية عن كثب.
في الوقت نفسه، يصر العمال الذين يترددون في التخلي عن استقلاليتهم، على أن عدم الاضطرار إلى التعامل مع التنقل، أو الأمور التي تلهيهم في الحياة المكتبية، سيسمح لهم بأن يكونوا أكثر إنتاجية. وهو ما تدعمه دراسة عالمية أجراها منتدى المستقبل التابع لشركة سلاك، وهو ائتلاف يعنى بطرق العمل الجديدة، إذ وجدت أن الموظفين الذين يتمتعون بمرونة كاملة في جدولهم الزمني زادوا من إنتاجيتهم، حيث حققوا "درجات إنتاجية أعلى بـ39 في المائة من الأشخاص الذين ليست لديهم القدرة على تعديل ساعات عملهم، وكانت لديهم قدرة أكبر على التركيز أعلى بـ64 في المائة".
لكن إضافة إلى منافعه، فإن العمل المنزلي يثير بعض القضايا لنقابات أصحاب الياقات البيضاء. حيث يقول أندرو باكس، نائب الأمين العام لاتحاد العلوم والهندسة في "بروسبيكت"، إن المخاوف تشمل الحدود بين العمل والحياة المنزلية وأين تقع مسؤوليات أصحاب العمل. "إن معظم قوانيننا بنيت على القرن الماضي، حول الأضرار الجسدية والمخاطر. إذا تعثرت بسلك في مطبخي، فعلى من تقع المسؤولية عن ذلك؟". كما أن العمال المعزولين يمثلون تحديا. "لا توجد خبرة في العمل الجماعي، كيف تبني هذا التضامن في العمل، كيف تكتشف إذا كان أحد الزملاء يتعرض للتنمر؟".
إن بعض الممارسات الجديدة لا تؤثر في مكان عملنا فحسب، بل تؤثر أيضا في أوقات عملنا. فقد فرضت مجموعة أروب الهندسية أسبوعا في المملكة المتحدة، لتسمح للموظفين بتوزيع ساعات عملهم على مدار سبعة أيام بما يناسبهم، وليس فقط في الأيام بين الإثنين والجمعة.
في أماكن أخرى، يتم تنظيم سلسلة من التجارب حول العالم من خلال منظمة 4 داي ويك جلوبال غير الربحية. حيث خفض الموظفون الوقت الذي يقضونه في العمل إلى 80 في المائة في مقابل حصولهم على 100 في المائة من رواتبهم، مع الحفاظ على الإنتاج. ووجد تقرير عن تجربة المملكة المتحدة، التي استمرت ستة أشهر حتى كانون الأول (ديسمبر)، أن من بين 61 شركة مشاركة، ستستمر 56 شركة، بينما قالت 18 شركة منها: إن هذه السياسة ستصبح دائمة. كما تضمنت النتائج الأخرى زيادة في معدل الاحتفاظ بالموظفين وانخفاض مستويات الإرهاق والمرض.
أصبح التضخم عاملا جديدا في التغييرات في الوظائف. فبينما يطالب الموظفون بزيادة الأجور، يقوم بعض أصحاب العمل بتعديل الشروط كجزء من المفاوضات. يقول سايمون بليك، الرئيس التنفيذي لشركة مينتال هيلث فيرست أيد في إنجلترا، إن الموظفين يرغبون في "المرونة من أجل إدارة التكاليف والتنقل والغذاء".
يضيف كريس جراي، مدير شركة مانباوار جروب يو كيه للتوظيف: "قبل بضعة أشهر، كان أصحاب العمل يبحثون في مسألة الأجور العالية، ثم أدركوا أنها ليست مستدامة، لذا بحثوا في المكافآت التي تعطى مرة واحدة، ثم الحوافز الإضافية. والآن، أصبحنا في مكان مختلف. فالجميع وصلوا إلى سقف تكلفتهم. نحن نشهد تركيزا مستمرا على المرونة، فالعمل عن بعد يعادل زيادة بنسبة 5 في المائة في الراتب".
هذا صحيح بشكل خاص في "سوق تنافسية يقودها المرشحون"، ما "يجعل أصحاب العمل يستيقظون على حقيقة أنه ليس لديهم السيطرة الكاملة. ففي الماضي، كان العبء يقع على عاتق المرشح بأن يكون أكثر مرونة (وكان أصحاب العمل) راضين عن ذلك".
إن المرونة بدأت تنتقل إلى وظائف خارج فئة العاملين على جهاز الكمبيوتر. يقول باكس من "بروسبيكت"، إن موجة الإضرابات في القطاع العام في المملكة المتحدة، بما فيها إضرابات المعلمين والعاملين في مجال الصحة وموظفي الخدمة المدنية، لا تتعلق فقط بأجور العمل، لكن أيضا بالظروف التي تركت الموظفين "منهكين بسبب الجائحة. وهي أيضا تتعلق بمسألة، أين يتناسب العمل مع حياتنا؟".
تقول كايت شوسميث، نائبة الرئيس التنفيذي لاتحاد التوظيف والتشغيل، وهي الهيئة المهنية للتوظيف، إن الموظفين في الخطوط الأمامية أيضا يريدون المرونة - مثلا، في مسألة نوبات العمل للممرضين.
فيما أجبر النقص في المواهب والمهارات أصحاب العمل على زيادة التأهيل والتدريب داخليا، وكذلك التفكير في التقدم الوظيفي، بما في ذلك للعاملين في الوظائف ذات الأجور المنخفضة.
كما يبدو أن الذكاء الاصطناعي مهيأ الآن لإعادة تشكيل مكان العمل بشكل أكبر، حيث أصبح روبوت تشات جي بي تي للدردشة، المدعوم من مايكروسوفت يثبت جدارته. ففي الشهر الماضي، قالت شركة المحاماة ألان آند أوفيري، إنها بدأت تقدم أداة ذكاء اصطناعي لمساعدة المحامين على صياغة المذكرات.
يقول جراي، من شركة مانباوار، إن الذكاء الاصطناعي لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه تهديد للوظائف، بل محرك للطلب على المهارات الجديدة. قال: "علينا احتضان الذكاء الاصطناعي. نحن هنا (...) لدينا مزيد من التكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى، لكن مع وجود فجوة في المهارات. إننا لا نزال بحاجة إلى أشخاص لتصميم الأنظمة، (هناك) طلب هائل على تكنولوجيا المعلومات وعملية التغيير الإداري برمتها. إن ذلك يغير نوعية العمل الذي نقوم به، ولا يحل محل الوظائف".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES